د. طارق بن محمد بن حزام
في عصر السرعة الرقمية وانتشار المنصات، أصبح المحتوى القصير هو المسيطر على المشهد الإعلامي.
لم يعد الناس يميلون إلى قراءة المقالات المطولة أو متابعة التحليلات، العميقة، بل أصبحوا يفضلون المقاطع القصيرة والنشرات، المختصرة التي تقدم لهم المعلومة في ثوان، معدودة.
ورغم أن هذا الأسلوب قد يبدو عمليا وسهلا إلا أنه يحمل في طياته مخاطر عديدة أبرزها انتشار ظاهرة التسطيح الفكري.
وهو الميل إلى استهلاك المعلومات بشكل سريع، وسطحي، دون التعمق في فهم تفاصيلها، أو التحقق من صحتها. وهذا النمط الجديد من التفكير يجعل الأفراد أكثر عرضة للتأثر بالعناوين الجذابة والمحتوى العاطفي دون النظر إلى جوهر القضية أو تحليلها بشكل منطقي. ونتيجة لذلك، تتراجع القدرة على التفكير النقدي، ويضعف الحس التحليلي، لدى الكثيرين.
إن وسائل التواصل الاجتماعي، التي تعتمد على الإيجاز والإثارة لجذب الانتباه، تسهم بشكل كبير في تعزيز هذه الظاهرة. فالمستخدمون يقضون ساعات طويلة في تصفح مقاطع الفيديو القصيرة والنشرات السريعة، مما يجعلهم معتادين على تلقي المعلومات دون بذل أي جهد في البحث أو التحقق. ومع مرور الوقت، يصبح التفكير العميق عملية مرهقة وغير مرغوبة، مما ينعكس سلبا على مستوى الوعي العام.
من أبرز مخاطر التسطيح الفكري:
- سهولة انتشار الشائعات: تزداد احتمالية انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة.
- ضعف القدرة على التحليل النقدي.
- التأثر بالعواطف بدلا من المنطق: كثير من المحتويات المختصرة تعتمد على الإثارة العاطفية أكثر من تقديم معلومات دقيقة، مما يجعل الجمهور أكثر انقيادا وراء المشاعر بدلا من الحقائق.
- تراجع مستوى الثقافة العامة: مع قلة القراءة.
- إظهار بعض المشاهير أصحاب المحتويات التافهة على أنهم النخبة في المجتمع.
ولمواجهة هذه الظاهرة، يجب العمل على تعزيز ثقافة البحث والقراءة المتأنية، وتشجيع الأفراد على التحقق من المعلومات قبل تصديقها أو نشرها. كما ينبغي للمؤسسات التعليمية والإعلامية أن تقوم بدورها محوريا في نشر الوعي حول أهمية التفكير النقدي، وتقديم المحتوى بطريقة تشجع على البحث، التحليل، والتعمق.
وفي الختام، الوعي بخطورة التسطيح الفكري هو الخطوة الأولى نحو بناء مجتمع أكثر قدرة على التفكير النقدي والتمييز بين الحقيقة والتضليل.
فالمعرفة العميقة ليست رفاهية، بل هي ضرورة لضمان تقدم الأفراد، والمجتمعات، وبناء مستقبل واعد يقوم على المعرفة العميقة والتي بدورها تمنح الأجيال القادمة الوعي والحصانة الفكرية.