عايض بن خالد المطيري
الزواج هو سُنَّة الله في خلقه، به تستمر الحياة، وتبنى الأسر، وتتحقق الطمأنينة بين الرجل والمرأة. وهو ميثاقٌ غليظ قائم على المودة والرحمة والتفاهم، وليس مجرد عقد مؤقت يُبرم متى شئنا ويُفسخ متى رغبنا. وعلى الرغم من أن الطلاق مباح، إلا أنه أبغض الحلال إلى الله، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» (رواه أبو داود). وذلك لما يترتب عليه من هدمٍ للأسر، وترك آثار نفسية واجتماعية لا تُمحى بسهولة. ومع ذلك، نرى في زماننا هذا من يحوِّل الزواج إلى مجرد تجربة ووسيلة لإشباع الرغبات، لا يرى فيه التزامًا ولا مسؤولية، بل مغامرة يخوضها مرارًا وتكرارًا دون اكتراث بالعواقب.
بين الحين والآخر، نسمع أشخاصًا يتفاخرون بعدد زيجاتهم، وكأن الزواج أصبح مباراةً تُحسب فيها النقاط بعدد النساء اللاتي اقترنوا بهن ثم انفصلوا عنهن.
يظهر بعضهم في لقاءات إعلامية ليتحدثوا عن عدد النساء اللاتي تزوجوهن، وعن اللاتي طلقوهن، وكأنهم يسردون إنجازات وبطولات تاريخية، متناسين أن الطلاق لا يعني انتصارًا ولا نجاحًا، بل هو في كثير من الأحيان دليل على فشل أحد الطرفين أو كليهما في الحفاظ على هذه العلاقة المقدسة. فكيف يمكن لرجل أن يتفاخر بأنه طلق عشر نساء أو أكثر؟ وهو في الحقيقة يعلن عن فشله الشخصي والاجتماعي بكل بجاحة!
لذلك يجب أن يتقي الله كل من يُقبل على الزواج والطلاق بلا مسؤولية. فبعض الزوجات يخرجن من الزواج بمولود، بينما تخرج أخريات بالألم فقط، وكأن الزواج مجرد تجربة لا تُؤخذ عواقبها بعين الاعتبار. القضية ليست تفاخرًا بعدد الزيجات، ولا إشباعًا للرغبات، بل هي مسؤولية وحياة مقدسة قائمة على المودة والاحترام. ومن لم يدرك ذلك، فإنه لا يعبث بحياته فقط، بل بحياة الآخرين أيضًا، ويهدم مستقبلهم.
الزواج ليس مجرد تجربة يمكن تكرارها بلا تفكير، والطلاق ليس وسامًا يُعلَّق على الصدر، بل هو قرار مصيري يجب أن يكون الحل الأخير عندما تستحيل الحياة بين الزوجين. ومن يُكثر من الزواج والطلاق دون مبرر حقيقي، لا يبحث عن شريك حياة، بل عن متعة مؤقتة، وعندما تنتهي هذه المتعة، يبحث عن غيرها، متجاهلًا مشاعر الآخرين، وضاربًا عرض الحائط بقيمة العلاقة الزوجية وأثرها على المجتمع. والأغرب من هذا أن بعض النساء يقبلن الارتباط بمثل هؤلاء الرجال رغم معرفتهن بتاريخهم الحافل بالزيجات الفاشلة، وكأنهن يعتقدن أنهن الاستثناء الذي سيغير القاعدة، ثم يُصدمن بأن القصة تتكرر معهن كما تكررت مع من سبقنهن.
لذا لا بد أن يدرك الجميع أن استقرار الأسرة هو استقرار المجتمع بأكمله، وأن نجاح الزواج يعتمد على وعي الطرفين بمسؤولياتهما، وإدراكهما أن الحياة الزوجية ليست مجرد فترة زمنية مؤقتة، بل شراكة تحتاج إلى الصبر والتفاهم والتضحية.
الزواج ليس لعبة، والطلاق ليس إنجازًا، ومن يتفاخر بعدد زيجاته وطلاقاته لا يُعبّر عن قوة شخصيته ورجولته، بل يعبر عن ضعفه في بناء العلاقات وفشله في تحقيق الاستقرار. الحياة الزوجية ليست ساحة استعراض، بل رابطة مقدسة تستحق الاحترام والتقدير والمودة، ومن لم يفهم ذلك، فلن ينجح في أي علاقة في حياته، مهما كرر المحاولة.