د.شريف بن محمد الأتربي
تظل القيادة هي الهاجس الذي يؤرق العالم أجمع منذ الخليقة، فنادرا ما يجود الزمان علينا بقادة يتمتعون بالجرأة في أعمالهم، سواء كانت هذه الجرأة منصبة على الشأن الداخلي لدولته، أو شملت أيضا الشأن الخارجي لها.
وسط أنماط القيادة المتعددة، والتي كتبت فيها آلاف الأدبيات، وترجمت إلى آلاف الروايات والأفلام والمسلسلات التي تتناول هذه الأنماط المختلفة من القادة، سواء كانوا على هرم الدولة، أو يشغلون مناصب مهمة فيه، رأينا أنماط القادة التقليديين الذين يميلون إلى الاعتماد على القواعد والإجراءات، واتخاذ القرارات بناء على التجارب السابقة، كما رأينا القادة الاستراتيجيين، الذين يركزون على التخطيط والرؤية الطويلة الأمد، كما يحددون الأهداف ويديرون الموارد لتحقيق النجاح.
ولا يخفى علينا أيضا القادة الاستبداديين، وهم القادة الذين يتحكمون في جميع القرارات معتمدين في ذلك على سلطتهم المفوضة لهم أو المكتسبة عبر التعيين أو الانتخاب، وهؤلاء قليلا ما يستمعون إلى الآراء والأفكار، ويقتلون الإبداع خوفا على كراسيهم.
وسط كافة أنماط القيادة المعرفة وغير المعرفة؛ تأتي القيادة الجريئة لتجمع أغلب الصفات في هذه القيادات، فالقائد الجريء، هو ذلك الشخص الذي تتميز شخصيته بعدة صفات وخصائص تجعلها قادرة على اتخاذ القرارات الصعبة والمخاطرة من أجل تحقيق أهداف الفريق أو المؤسسة.
ومن أهم الصفات التي يتمتع بها هؤلاء القادة: الرؤية الواضحة، حيث يمتلكون رؤية واضحة للمستقبل ويعرفون الاتجاه الذي يريدون أن يسيروا عليه الفريق، كما يملك هؤلاء أيضا القدرة على اتخاذ القرارات بسرعة وثقة، حتى في ظل عدم اليقين التام، أو غياب المعلومات الكافية لضمان صحة القرار بنسبة تتفق مع أهمية القرار نفسه. تعد المخاطرة المحسوبة جزءا لا يتجزأ من شخصية هؤلاء القادة حيث لا يترددون في خوض المخاطر، ولكنهم يقومون بذلك بناءً على تحليل شامل للموقف.
تعد القدرة على التحفيز واحدة من أهم سمات شخصية هؤلاء القادة، فهم يلهمون الآخرين ويدفعونهم لتحقيق أهدافهم من خلال تحفيزهم وتشجيعهم. كما يتمتعون بمهارات التواصل الفعّال مما يساعدهم على توصيل أفكارهم ورؤيتهم بوضوح، أضف إلى ذلك قدرتهم على التكيف والمرونة في أسلوب القيادة، والقدرة على تحمل الضغوط والتحديات بصبر، والعمل على إيجاد حلول فعالة.
يعد تشجيع الابتكار واحد من أهم سمات هؤلاء القادة، فهم يدعمون بيئة الابتكار ويشجعون الفريق على التفكير الإبداعي. يمثل هؤلاء القادة القدوة الحسنة والنموذج الذي يحتذى به في العمل الجاد، إلى جانب سعيهم دائمًا لتحسين مهاراتهم ومعارفهم، وتشجيع الفريق على ذلك أيضًا من خلال نشر ثقافة التعلم المستمر.
من أهم الشخصيات القيادية الجريئة التي ظهرت خلال الأعوام القليلة الماضية، صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء بالمملكة العربية السعودية، فقد أوضحت أعماله منذ إطلاق رؤية المملكة 2030 تميز شخصيته بالجراءة والتحرر من القيود، فقام بإجراء إصلاحات اجتماعية عديدة أعاد بها التوازن الطبيعي للمجتمع السعودي، فرفع الحظر عن قيادة النساء للسيارات، وطور العديد من الفعاليات الثقافية والترفيهية، مما يعكس شجاعته في مواجهة التقاليد التي فرضت على المجتمع فرضا تحت العديد من الذرائع الظاهرة والخافية.
تميزت شخصية ابن سلمان بالتوجه نحو الابتكار، فكان إنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار بهدف تحقيق الابتكار في الأولويات الوطنية للمملكة، وتسريع التقدم العلمي. كما اتجه نحو الاستثمار في المشاريع المستقبلية مثل مدينة «نيوم» التي تهدف إلى أن تكون نموذجاً للمدن الذكية.
لم تقتصر شخصية ابن سلمان الجريئة على إحداث الفارق داخليا فقط، ولكنه اتخذ مواقف جريئة في السياسة الخارجية، مثل تعزيز العلاقات مع دول جديدة والتصدي للتحديات الإقليمية. أظهر التركيز على الشباب من قبل ابن سلمان مدى تقدير قيادتهم الشابة لهم، واعتماده عليهم في تنفيذ الخطط الطموحة للمملكة، فعمل على تمكينهم من خلال التعليم والتوظيف.
الشفافية ومكافحة الفساد هي واحدة من أهم مكتسبات المجتمع من قيادته الجريئة، فقد أطلق ابن سلمان حملة لمكافحة الفساد تهدف إلى تعزيز الشفافية والنزاهة في الحكومة والمجتمع، فاستطاعت هذه الحملة استرداد أكثر من 100 مليار ريال للخزينة السعودية.
هذه الصفات وغيرها من الأفعال الظاهرة والباطنة، تجعل من ابن سلمان نموذجًا للقائد الجريء الذي يسعى لتحقيق تغييرات جذرية لمستقبل المملكة والمنطقة كلها، بل امتد تأثيره إلى العالم أجمع، وخير شاهد لذلك الاجتماع الأخير الذي عقد في الرياض بين وفدي الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لتقريب وجهات النظر بين القوتين.
إن القيادة الجريئة لابن سلمان تلعب دورًا حاسمًا في نجاح أي فريق أو منظمة، حيث يسهم في تسريع عجلة التقدم والنمو، ويدفع بالابتكار لغاية تحقيق الأهداف الاستراتيجية للمملكة.