د. ناهد باشطح
فاصلة:
«الأفلام الجيدة هي تلك التي يكون الجمهور هو من يصرخ فيها» - الفريد هتشكوك -
*****
لاحظت من خلال متابعة تعليقات الجمهور على المسلسلات الدرامية تفاعل البعض مع معاناة الممثلين وبكائهم على المشاهد الحزينة.
هذه الملاحظة جعلتني أبحث في دراسات علماء النفس والأعصاب للتعرف على أسباب تأثر البعض من الناس بمشهد حزين يشاهده عبر شاشات التلفاز، بينما لا يبكي شخص آخر قد يكون بجانبه، وكلاهما يعلم أن هذا المشهد تمثيلي وغير حقيقي!
أحد أهم الأسباب تفسره نظرية «التفريغ العاطفي»، نحن حينما نبكي لمشاهدة مسلسل درامي؛ فذلك لأننا غارقون في المشاعر ونحتاج إلى التعبير عنها ولذلك نرتاح بعد البكاء.
وهناك نظرية «الذكاء العاطفي» التي تفسر هذا النوع من البكاء بأنه يحدث لأننا نستطيع التعاطف مع الشخصيات على الشاشة، حيث نرى لمحة من أنفسنا وسط معاناة الممثلين، وهذا يثير مشاعرنا. وقد وجد العلماء أن الأشخاص ذوي الذكاء العاطفي العالي هم أكثر عرضة للبكاء أثناء مشاهدة الأفلام الحزينة.
ومن الأسباب التي تجعلنا نبكي قوة سرد القصص في المسلسل أو الفيلم الذي نشاهد، وهذا ما يفسر ارتفاع تعلقنا بالممثلين ومعاناتهم إذا عرفنا أن قصة المسلسل حقيقية.
وهناك تفسير بيولوجي لهذا النوع من البكاء وهو وجود خلايا عصبية مرآتية في القشرة الحركية للدماغ تنشط إذا رأينا شخصاً يبكي، فنشعر بمشاعره ونبكي لبكائه، وقد يفرز هرمون «الاوكسيتوسين» المسمى بهرمون الحب لأنه يفرز في الدماغ عند العناق واللمس.
ومن الأسباب التي تبكينا أن البكاء وسيلة للتفريغ عن المشاعر المكبوتة فإذا بكينا سمحنا لتلك المشاعر بالتحرر، وذكّرنا البكاء بإنسانيتنا المشتركة.. قد يعتقد البعض أن هذا النوع من البكاء ضعف لكنه يكشف عن شجاعتنا في التواصل والتعبير عن مشاعرنا وإظهار التعاطف والذكاء العاطفي.
ومع ذلك فقد يختار البعض من الناس تحاشي مشاهدة المسلسلات الدرامية إذ إن لديهم حساسية عالية تجاه المشاعر السلبية، مما يجعلهم يتجنبونها لتفادي الشعور بالانزعاج.
هؤلاء الأفراد قد يكونون أكثر تأثرًا بقصص الآخرين ويجدون صعوبة في الفصل بين الخيال والواقع، وقد يكون لديهم تجارب شخصية مؤلمة تأتي الأفلام الحزينة تحفز المشاعر المؤلمة لديهم للعودة من جديد.
كما أن بعض الأشخاص يستخدمون الإنكار أو التجنب كآليات دفاعية نفسية ضد المشاعر السلبية، فهم يفضلون عدم التعرض للحزن أو الألم حتى لا يؤثر ذلك على مزاجهم.
وهناك أشخاص يفضلون المحتوى الذي يُعزز المشاعر الإيجابية؛ لأن الترفيه بالنسبة لهم وسيلة للهروب من ضغوط الحياة، وليس للاستغراق في المشاعر السلبية.
يختلف الناس في التفاعل مع المشاعر، بعض الدراسات تشير إلى أن هناك من يجد في الأفلام الحزينة وسيلة للتحرر العاطفي، بينما هناك من يشعر بأنها تجعله في مزاج سيئ لفترة طويلة.
تحاشي مشاهدة المسلسلات أو الأفلام الحزينة قد يكون أسلوبًا للحماية النفسية، فالبعض يحتاج للحزن ليشعر بالتحرر العاطفي، بينما البعض الآخر يفضّل الحفاظ على طاقته العاطفية بعيدًا عن أي محفّزات حزينة.
المصادر:
- Amy Sarow, The Science Of Sad Movies: 5 Reasons Why Some Films Make Us Cry, collective world, WEBSITE, 2022.