م. سطام بن عبدالله آل سعد
لم تثبت رؤية الهلال؛ لا في السماء كما جرت العادة، ولا على أرض «المملكة أرينا». ففي سادس أيام العيد، وبينما كانت الرياض تعيش بهجته، اختار الهلال أن يسير عكس التيار. الجميع كان يتهيأ لمشهد يُكرِّس سطوة الزعيم، لكن الواقع انقلب فجأة، وأطبق الصمت على جنبات الملعب بعد خسارة ثقيلة بثلاثية أمام النصر - خصم متقلّب لم يُعرف بثباته، لكنه في تلك الليلة امتلك لحظة وعي استثنائية، استغل فيها تراخي الهلال، ووجّه له ضربة موجعة لم تكن في الحسبان.
لكن القصة لا تكمن في الأهداف، بل في تلك التي لم تُسجَّل، وفي من غاب حين كان يجب أن يكون حاضرًا، وفي من اختفى في اللحظة التي كان يُنتظر منه أن يظهر. فسالم الدوسري، المايسترو الأزرق الذي لطالما حمل الهلال في لحظات الحسم، بدا وكأنه في عرض رمضاني مؤجل. لم يكن بطيئاً، لكنه لم يكن حاضرًا بما يكفي ليحدث الفرق.
في حين أنّ ميتروفيتش، المهاجم الذي أرهق الدفاعات سابقاً، ظهر كهيكل دون روح، فلم يتحرك، ولم يضغط، ولم يقاتل. فيما قرَّر ليناردو أن يُلقي بثلاث فرص محققة في مهب الريح، كأنما يحاول إهداء العيد للنصر على طريقته الخاصة.
الهلال لم يخسر بفعل النصر فقط، بل لأن بعض مفاصله قرَّرت التوقف عن الدوران. كان هناك تراجع ذهني قبل أن يكون فنيًا، وارتباك في التحولات، فأساء التقدير وتراخى في التعامل. الغريب أن الهلال لعب وكأن الخسارة خارج الاحتمالات، وأن المباراة لن تفلت أبدًا، حتى وجد نفسه يركض خلف نتيجة أثقل من أن تُلحق.
أما النصر، فلا ضير أن نُقر بأنه استغل اللحظة، أدرك ضعف خصمه، فباغته بثبات نادر. هدف علي الحسن قبل نهاية الشوط الأول كان كسرًا نفسيًا أكثر منه تقدماً في النتيجة، وهدف رونالدو في الدقيقة 47 كان تأكيدًا على أن الهلال قد دخل الشوط الثاني بلا شخصية، أما الثالث، فلم يكن إلا تتويجًا لانهيار ذهني لم يُعرف في مدرسة الزعيم.
لكن، ورغم الخسارة، لا يمكن التعامل مع هذا اللقاء كمؤشر نهائي. الهلال كيان لا يُقاس بلحظة، بل بمنهج. وما حدث قد يكون أشبه بالحُمّى المؤقتة التي تُعيد ضبط الإيقاع، لا تهدم المشروع. إلا أن المنطق يفرض أن يُعترف بالخطيئة؛ فعندما يغيب تركيز المدرب واللاعبين، وتكون التغييرات غير منطقية، وتضيع الفرص، وتنهار العزيمة، لا ينتصر التاريخ... بل تنتصر اللحظة.
الهلال خسر لأنه افترض الفوز قبل أن يبدأ، ولأن بعض نجومه ظنوا أن الأسماء تصنع النتائج لا الجهد. والنصر فاز لأنه تعامل مع المواجهة كفرصة لا تتكرر، لا كذكرى تتكرر.
وفي نهاية العيد، وبينما ترقبت الجماهير أن تُثبت رؤية الهلال في أرينا، غاب عن السماء وعن الأرض... فبكى الزعيم، واحتفل الغريم.