د. محمد عبدالله الخازم
أحياناً، تتحول حادثة أو قصة في فيلم أو مسرحية أو حدث ما إلى مصطلح ينمو استخدامه في الأوساط الاجتماعية أو المهنية ليصبح تعريفاً شائعاً، كما في المصطلح الذي كتبناه باللغة الإنجليزية لعدم وجود ترجمة عربية حرفية تعكس معناه الحديث. بدأت القصة في مسرحية لمبة الغاز البريطانية عام 1938 للكاتب باتريك هاملتون، والتي أعيد إنتاجها في فيلم عام 1940 في بريطانيا، ثم أمريكا 1944م. تصور الأحداث زوجًا يبدو مهذبًا، لكنه يستخدم الأكاذيب والتلاعب لعزل زوجته الوريثة وإقناعها بأنها مريضة عقليًا حتى يتمكن من سرقتها. إحدى حيله هي تعتيم وإضاءة لمبة الغاز الداخلية سراً، والإصرار على أن زوجته تتخيل ذلك. بدأ استخدام المصطلح في الخمسينيات في حلقة برنامج The Burns and Allen Show. وفي صحيفة نيويورك تايمز، عام 1995م، بقلم الكاتب مورين داود.
أقرب تعريف/ ترجمة لهذا المصطلح وفق استخداماته الثقافية والشعبية الراهنة ولدى العاملين في المجال النفسي هو «التلاعب النفسي». يكون ذلك التلاعب، غالباً، عبر دفع المعتدي إلى التشكيك في سلامة ضحيته من الناحية العقلية أو ذكرياته أو تصوره للواقع. يقوّض هذا السلوك ثقة الضحية وإحساسه بذاته، وربما شعوره بالارتباك والشك في معتقداته وأحكامه. ويتجلّى التلاعب النفسي في سياقات مختلفة؛ في العلاقات الشخصية، أماكن العمل، الإعلام ...إلخ. بمعنى أخر، هو أسلوب للسيطرة/ محاولة السيطرة على شخص آخر، عبر تحطيم ثقته في نفسه مع زيادة مقدار ثقته أو اعتماده على الشخص المسيء.
عندما يقوم شخص ما بالتلاعب بالآخرين، فإنه يفعل كل ما في وسعه لجعل ضحيته تشعر بالارتباك وعدم الاستقرار وعدم المصداقية. ولجعل شخص آخر يشكك في تصوره للواقع، قد يكذب المتلاعب بالآخرين بشكل صارخ أو يشوه الطريقة التي حدثت بها الأحداث لتتناسب مع روايته الخاصة.
في العمل قد يتلاعب زميل العمل أو الرئيس بالموظف/ الموظفة إلى الحد الذي يقوده إلى الشك في سلامته العقلية أو ذاكرته أو تصوراته. يستخدمون أساليب مثل إنكار الأحداث الماضية، أو التقليل من شأن المشاعر، أو إعادة سرد الأحداث لتحويل اللوم وغيرها للوصول إلى تشكك الضحايا في أفكارهم ومشاعرهم وتجاربهم. التلاعب النفسي في أماكن العمل يرتكبه المديرون أو زملاء العمل السلبيون، المتآمرون أو المتحيزون.
في العلاقات، غالبًا ما يبدأ التلاعب بالعواطف تدريجيًا. يكتسب الشخص المسيء ثقة شريكه، ثم يبدأ في الإشارة إلى أنه غير موثوق به، أو أنه نسي، أو أنه غير مستقر عاطفياً أو عقليًا. بمرور الوقت، يتسبب ذلك في تساؤل الضحية عما إذا كان شريكهم على حق. وكلما حدث ذلك أكثر، زادت قوة ونفوذ الشخص المسيء واعتماد الضحية عليه في تذكر الذكريات أو اتخاذ القرارات. وقد يشعر/ تشعر الضحية أيضًا أنها لا تستطيع ترك العلاقة، رغم معاناتها في استمرارها.
إعلامياً، ولأن الجميع لديهم صوت على وسائل التواصل، فإنه يسهل نشر المعلومات المضللة. بالإضافة إلى سهولة الوصول والتعبير، فإن عدم الكشف عن الهوية الذي توفره وسائل التواصل يمكن الأشخاص من التصرف بجرأة أكبر مما قد يفعلونه في الحياة اليومية، بما في ذلك استخدام أساليب التلاعب النفسي ضد الآخرين. يعد التلاعب النفسي بالأفراد أو الجمهور أو المواقف أمراً شائعاً على وسائل التواصل الاجتماعي. قد يحدث بدون وعي من قبل بعض الأفراد، لكن هناك من يخطط له ضمن حملات الترويج والمنافسة والتضليل والتشتيت ...إلخ.
أختم بالسؤال - مبرر بحثي وكتابتي للمقال - حول (gaslighting )؛ هل هناك ترجمة/ كلمة أو مصطلح عربي في كلمة واحدة، تعبر عنه؟