د.شريف بن محمد الأتربي
المتأبِّط شرًا هو لقب شهير للشاعر الجاهلي ثابت بن جابر بن سفيان الفهمي، لُقِّب بتأبَّط شراً؛ لأنه كان كلما خرج للغزو وضع سيفه تحت إبطه، فقالت أمه مرة: تأبَّط شراً، فلقب بهذا اللقب. وفي رواية أخرى أنه أتى لأمه بجراب مليء بالأفاعي؛ بعد أن لامته أنه لا يأتيها بشيء مثلما تأتي به فتية الحي أمهاتهم، ثم ألقى الأفاعي أمامها وهي تسعى. فلما روت تلك الواقعة لنساء الحي سألنها: كيف حملها -أي الأفاعي في الجراب- قالت: تأبَّطها، فقلن: لقد تأبَّط شراً، فصار يُدعى بذلك.
يعد «ثابت» واحداً من الشّعراء الذين فقدوا استقرارهم في مجتمع جاهلي تميَّزَ بغياب العدالة الاجتماعيّة، سلّطَ هجومه على تركيبة القبيلةِ مُتمرّدا عليها كحال الصعاليك الذين عُرِفوا في العصرِ الجاهلي.
عاش تأبَّطَ شراً في القفار ومجاهل الأرض يعانقه الفقر والتشرد والتمرد، مؤمناً بأن الحق لا يؤخذ إلاّ بالقوة، ولا سبيل إلى المحافظة على استمرارِه وفرض وجوده إلاّ بالسلب، وهو الذي كَسّر قانون القبيلة والمجتمع الجاهلي بثورته ضد عُرْفها.
وفي عالم وسائل التواصل الاجتماعي، يظهر المتأبطون شرًا كأفراد يسعون إلى نشر الفوضى والتوتر بين المستخدمين. يستخدمون أساليب متنوعة، مثل نشر الشائعات والمعلومات المضللة، أو إثارة الجدل حول الموضوعات الحساسة. إنهم يتغذون على النزاعات ويبحثون عن طُرق لتقسيم المجتمعات الافتراضية وزيادة التوتر بين الأفراد.
لا أدعي أني من متابعي كافة وسائل التواصل الاجتماعي؛ ولكني بين الفينة والفينة ألجأ لبعض منها للحصول على بعض الأخبار العامة أو الخاصة مثل منصة X، والإنستغرام، وفي منصة X تحديداً أجد المتأبطون شراً بعالمنا العربي والإسلامي، هؤلاء شرٌ حقيقيٌ على الأمة يجب التخلص منهم ومنعهم من الكتابة أو التغريد كما يسمون أنفسهم بالمغردين وهم بعيدون كل البعد عنه، فالتغريد هو التعبير عن الأفكار والمشاعر بشكل مختصر وجذاب، بينما هم يستخدمون كل الألفاظ المقيتة والسيئة والسلبية والخارجة عن أي إطار من أطر الدين أو الأدب للتعبير عن النقص الداخلي لديهم، فهم يهيصون في «الظيطة» كما يقول المصريون، ففي أي موضوع تجدهم موجودين، يسكبون الزيت على النار، يخرجون أي حدث من سياقه المحدود إلى سياق بين قبائل أو عائلات أو دول بل وفي كثير من الأحيان بين دولهم والعالم أجمع، كل هدفهم تسعير نار الفرقة، وخلق حساسيات بين الناس جميعاً، سعادتهم بكم القطيع الذي يسير وراءهم مؤكداً رأيهم الغبي وتوجههم الأحمق، وإذا خرجت عن سياقهم فأنت عدوهم، ينقبون عنك في كل مكان ليبدأ هجومهم عليك شخصياً وليس على طرحك ولا تعليقك، فأنت تمثل خطراً على قطيعهم المنقاد خلفهم بلا حول ولا قوة، وأي بادرة تصحيح للمسار تعني بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت فيتأبطون الكلمات والعبارات المسيئة شراً ويهينون شخصك وعائلتك وأصلك وفصلك، حتى يخرجوا بقطيعهم عن المسار الصحيح الذي أوردته في تغريدتك، أو في ردك على تغريداتهم، أنت عدوهم لا محالة.
إن الزمن الذي نعيش فيه الآن يحتم علينا أن نتوحد كعرب ومسلمين؛ لأننا أمام الكثير من الأعداء الذين يستخدمون هذه الوسائل الاجتماعية لبث الفرقة بين الجماعة، وقد حثنا ديننا على الجماعة فما بالنا نعيش في هذا العصر كما عاش الأولون في الجاهلية. وأخيراً يجب على جميع الجهات ذات العلاقة أن تعمل على إيجاد سبيل لإيقاف هؤلاء المتأبطين شراً، الذين يسعون في الأرض فساداً.