م. بدر بن ناصر الحمدان
جدلية فهم المعنى من «عمارة الأرض» تكمن في تعريفها من حيث المقصد، إذ يتناولها بعض المفكرين على أنها دلالة على إحيائها بالبناء أو الغرس أو الزرع والصناعة واستصلاحها والسكنى فيها بما يُمكِّن من العيش عليها والإيفاء بمتطلباته مع تفاوت في حجم ونطاق هذه العمارة.
من جهة أخرى يرى البعض أن استخلاف الإنسان في الأرض يكمن بوجوده فيها امتداد للنسل البشري ومن أجل تطبيق شريعة الحياة التي خلقها الله، وآخرون يرون أنها تحقيق لكلتا الدلالتين سواء المقصود العمارة الحسيَّة المادية بالتأسيس والبناء والإعمار، أو العمارة المعنوية بالتواجد على الأرض واستثمار مقوماتها – بقدر الحاجة دون مبالغة - للعبادة وإقامة الشرائع وإرساء قيم العدل والسلام.
أي كان التعريف فالباحث في تاريخ المدن والتجمعات العمرانية القديمة يستنتج أن «إعمار المكان» نزعة إنسانية متوارثة، وفطرة ربانية للإنسان عادة ما يحكمها الدين وأحيانا مجرد تلقائية العيش، حيث عادة ما تبدأ رحلة العمارة بالبحث عن المأوى بهدف الأمان والحماية ومن ثم التطور والتمدد في بناء وتشييد المحيط بدافع الحيازة أولاً ووصولاً إلى مرحلة الرفاه والتنافسية وهي ما تمثله دورة حياة العمران.
حديث «إنَّ المُسلم لَيُؤْجَرُ في كلِّ شَيءٍ يُنفِقُه، إلَّا في شَيءٍ يَجعَلُه في هذا التُّرابِ»، يقودنا إلى التفكير في فرضية أن عمارة الأرض - بمفهوم البناء - هي أمر مرتبط بقدر الاحتياج ومراده أن البنيان الزائد عن الحاجة عمل لا يؤجر عليه الإنسان ، وربما ذلك يفسر بشكل غير مباشر فلسفة «اقتصاديات المدن» المبنية على الاستدامة، والتي تظهر على هيئة التكتل داخل حيز عمراني محدود ونسيج متضام على مساحة صغيرة من الأرض تتكون من مبان اقتصادية بالحد الأدنى من مسطحات البناء ونصيب الفرد من استخدامات الأراضي، ومؤشر الكثافة السكانية - إلى جانب العوامل الاقتصادية والأمنية الأخرى-.
في رأيي أن مفهوم عمارة الأرض تحكمه دوافع «المُعْتَقَدُ» ولا شيء آخر، حيث إن الأرض كطبيعة هي حياة ذاتية ومستدامة دون الحاجة إلى تدخل الإنسان الذي كان الهدف من خلقه العبادة فقط، بل قد تكون أكثر عرضة للخطر بوجوده عليها - من وجهة النظر المادية -.