د. أحمد محمد القزعل
يقول جان جاك روسو في كتابه: «EMILE»:(كل شيء يخرج من يد الخالق صالحاً وما أن تلمسه يد الإنسان يصيبه الاضمحلال)، فهل يمكن استئصال الشر من النفس البشرية؟ ماذا تعني سيكولوجيا الشر؟
في كثير من الأحيان يتعرض الأفراد في المجتمع المنظم لتنشئة اجتماعية غير سليمة تتسبب في ظهور مشاعر الكراهية والضغينة، كما يتم النزوع إلى الشر في ظل المناخ الأسري السلبي فيصبح هذا الميل جزءاً من شخصية الفرد، فالفرد عند روسو يولد بفطرة طيبة طاهرة لكن بيد المجتمع إفسادها أو حمايتها ومصدر الشر عنده هو المجتمع ذلك أن البنية المجتمعية السيئة تولد مشاعر الحقد والبغضاء في نفوس الأفراد مما يعني انتشار الفساد وإعادة تدويره عبر الأجيال.
فسيكولوجيا الشر هي دراسة الأسباب والعوامل التي تقود الأفراد إلى ارتكاب أفعال شريرة أو عدوانية، وتهدف هذه الدراسة إلى فهم الدوافع النفسية والاجتماعية التي تدفع الأشخاص للتصرف بطرق ضارة أو مؤذية، سواء على المستوى الفردي أو الجماعي.
ويدل التحليل السيكولوجي لمصادر الخير والشر على أن الشر ليس ظاهرة من الظواهر الشيطانية التي تستحوذ على النفس البشرية بطريقة يصعب فهمها، بل هو جزء من صميم الوضعية البشرية، فإن كان المجتمع سيئاً واستشرى فيه الفساد أفسد أفراده وإن كان منظماً بشكل جيد أنتج مواطنين صالحين يحبون الخير لغيرهم مثلما يحبونه لأنفسهم، وإذا كان الشر ينشأ عن الوعي بالذات، فيمكن تقليص دائرة الشر وذلك من خلال تحرير الفرد من نزعة التفرد في حب الذات وتوسيع مجال العطف الاجتماعي وخلق المناخ الذي يشجع على أعمال البر والخير والإحسان.
ومن أهم مقومات سيكولوجيا الشر: العوامل الفردية التي تشمل العوامل الشخصية مثل التكوين النفسي والتجارب الطفولية والاضطرابات النفسية والتكوين الجيني، والعوامل البيئية التي تشمل التأثيرات الخارجية مثل الأسرة والمدرسة والمجتمع والتعرض للعنف أو التمييز، والعوامل الثقافية التي تشمل القيم والمعتقدات الثقافية والدينية التي قد تشجع أو تبرر الأفعال الشريرة، والعوامل الاجتماعية التي تشمل الديناميكيات الاجتماعية مثل الانتماء الجماعي والضغوط والصراعات الاجتماعية.
ومن أسس سيكولوجيا الشر عملية التحليل النفسي حيث تتم دراسة العمليات النفسية الداخلية مثل العدوان والغضب والأحقاد وكيفية تطورها إلى أفعال ضارة، ومن أسسها العوامل البيولوجية حيث تتم عملية فحص الأسس الجينية والبيولوجية التي قد تسهم في السلوك العدواني أو الشرير، والتأثيرات الاجتماعية حيث يتم من خلالها تحليل كيف تؤثر العلاقات الاجتماعية والبيئة المحيطة في تعزيز أو كبح السلوك الشرير.
ومن أهم الأساليب الأساسية للحد من الشر: التربية والتعليم وتعزيز القيم مثل التسامح والتفاهم والاحترام منذ سن مبكرة، وتعليم الأطفال والشباب كيفية التعامل مع النزاعات بطرق غير عنيفة، مع ضرورة دمج مواضيع السلام وإدارة الغضب في المناهج الدراسية، كذلك لا بد من توفير الدعم والعلاج النفسي للأفراد الذين يظهرون ميولاً عدوانية أو يعانون من اضطرابات نفسية وتقديم الإرشاد والدعم للأسر لتطوير بيئة منزلية مستقرة وآمنة وتفعيل حملات التوعية لتثقيف المجتمع حول مخاطر العنف والشر وأهمية التسامح والتفاهم، ومن المهم تطبيق قوانين صارمة ضد الأفعال العنيفة والعدوانية وتطوير برامج لإعادة تأهيل المجرمين ومساعدتهم على تغيير سلوكهم وتقليل الضغوط النفسية والاجتماعية من خلال توفير الدعم الاجتماعي والخدمات الصحية ونشر الوعي بأهمية الصحة النفسية وتوفير الوصول إلى خدمات الصحة النفسية.
ومن أهم طرق الوقاية من الشر: تعزيز القيم الأخلاقية وتعليم المهارات الاجتماعية والتعامل مع الصراعات بطرق غير عنيفة، وخلق بيئات آمنة ومستقرة للأطفال والشباب للحد من تعرضهم للعنف أو التجارب السلبية، مع نشر الوعي حول مخاطر السلوك العدواني وأهمية التسامح والتفاهم في حل النزاعات، ويمكن من خلال تعزيز الإيمان بالله وتزكية النفس وتقوية الإرادة ومصاحبة الأفراد الصالحين والقيام بالأعمال الخيرية والتطوعية تعزيز الشعور بالمسؤولية تجاه الآخرين والخوف من عقاب الله مما يحد من ارتكاب الشرور.
وأخيراً: فإنه كلما اتسعت دائرة الخير والعطف والإحسان ضعفت قوى الشر في نفوس البشر مما يعود بالمنفعة والخير على الإنسانية والطبيعة على حد سواء وإن فهم سيكولوجيا الشر يتيح لنا تطوير استراتيجيات فعّالة للوقاية من السلوكيات الضارة وتعزيز السلوكيات الإيجابية في المجتمع، ومن خلال التركيز على التربية والتعليم والدعم النفسي والتوعية المجتمعية يمكننا تقليل انتشار الأفعال الشريرة وتعزيز بيئة أكثر سلاماً وتسامحاً.