د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
يدعي الرئيس ترمب أنه فرض تعريفات جمركية تبادلية ليتحقق الاستقلال الاقتصادي للولايات المتحدة بعد أن شن هجوما عنيفا على شركاء بلاده التجاريين معتبرا أنهم استغلوا بلاده اقتصاديا على مدى عقود طويلة وفرض تعريفات باهظة على وارداتهم إلى الولايات المتحدة وعده يوم التحرير وأنها عادلة وهي ردا على التعريفات الجمركية والحواجز المفروضة على السلع الأمريكية، وإن كان زعيم الديمقراطيين حكيم جيفريز في مجلس النواب عده أنه ليس يوم التحرير إنه يوم الكساد وقد تكون الوطأة هائلة على الاقتصاد العالمي الذي تبلغ التجارة العالمية 33 تريليون دولار سنويا.
ارتفع العجز التجاري الأمريكي مع العالم إلى نحو تريليون دولار وديون تقدر بنحو 36 تريليون دولار، خصوصا مع الصين والاتحاد الأوروبي وكندا والمكسيك التي تذهب 75 في المائة من صادرات المكسيك وكندا إلى الولايات المتحدة، لسلع قيمتها 732 مليار دولار منها 310 مليارات دولار مع الصين و235 مليار دولار مع الاتحاد الأوروبي ونحو 35 مليار دولار مع كل من كندا والمكسيك، نتيجة تجاوز دول العالم التعرفة الجمركية التي اتفق عليها العالم في بريتون وودز في 22 يونيو 1944 في غابات نيوهامبشر بالولايات المتحدة برسوم جمركية تقدر بنحو 2.1 في المائة، لكنها تضاعفت أربع إلى خمس مرات، باعتبار أن الصين وبقية الدول تصنف نفسها بأنها دول نامية، بل اتجه الاتحاد الأوروبي إلى منع دخول بعض الصادرات الأمريكية باعتبار أنها غير مساوية للمنتجات الوطنية، كذلك وضعت كندا على منتجات الألبان والأجبان الأمريكية تعريفات تصل إلى 275 في المائة، أثار غضبا في أمريكا، كذلك هناك بعض الصناعات تتلقى دعما مقابل عدم تلقي نفس الصناعات في الولايات المتحدة، مما يخلق تشوها في التجارة العالمية.
يتجه العالم من العولمة إلى الأقلمة إذ ستتحد كثير من الدول فيما بينها وتتغير خريطة التحالفات تخوفا من التعريفات الجمركية الأمريكية بعد التوصل إلى 230 اتفاقية للتجارة الحرة، تتسبب تلك التعريفات الجمركية في تراجع التجارة العالمية، يتوقع أن تبلغ خسائر الصين 450 مليار دولار، وستواجه الصين إلى خفض الصادرات الصينية إلى أمريكا بنسبة 30 في المائة، يقوض جهود الصين في مواجهة الانكماش الاقتصادي، ومن الصعب تحقيق هدف نمو 5 في المائة، وكذلك الاتحاد الأوروبي، وتتصاعد حالة اليقين باعتبار أن السوق الأمريكي أكبر سوق للواردات، والسوق الصيني أكبر سوق للصادرات، فالعالم مترابط سيؤدي إلى تراجع سلاسل الإمداد ومن ثم يتباطأ النمو الاقتصادي.
يطالب وزير الخزانة الأمريكي بعدم الرد، باعتبار أن ما أقدم عليه ترمب استهدف منطق القوة واستخدم ميزان القوة للوصول إلى صفقات عبر التفاوض من أجل تجميد التصعيد، وحيازة استثناءات لهذه التعريفات الجمركية، وعدم الذهاب إلى التصعيد التي كانت أحد القواعد الأساسية في القرن الماضي، من أجل تغيير قواعد اللعبة ليس فقط للاقتصاد الأمريكي بل للعالمي، تتجه إلى تأجيج التضخم على أمل استعادة ترمب الوظائف وتوسيع القاعدة الصناعية المحلية.
هناك تشابك بين الاقتصاد والسياسة، لكن إعلان ترمب كانت حرب على التجارة العالمية في سياق خطة تجارية وليست سياسية، بل حتى خطة إبراهام كانت سياسية بصبغة تجارية، وهناك رد تكتيكي لدى الأوروبيين والصينيين، خصوصا وأن الاتحاد الأوروبي أقوى تكتل اقتصادي لديه شراكات متعددة مع كندا ومع أمريكا اللاتينية واتفاق مع الصين في 100 منتج، ومنذ 2018 في ولاية ترمب الأولى كانت شركة بوينج الخاسر أمام إيرباص الأوروبية، لدى الاتحاد الأوروبي أيضا قانون مكافحة الإكراه وهو سلاح نووي تم سنه في 2021 من خلاله تم سحب الرخص للشركات الأمريكية في السوق الأوروبي، وكذلك وقف الاستثمارات الأمريكية المباشرة، وفرض رسوم على قطاع الخدمات الأمريكية، لأن الأرقام التي قدمتها الإدارة الأمريكية أوضحت أن العجز لم يكن على قطاع الخدمات الذي حقق أرباح 107 مليارات دولار.
إذا فرض الاتحاد الأوروبي تعريفات جمركية على قطاع الخدمات الأمريكي ستكون ضربة قاضية، ونحو 13 في المائة من السيارات الألمانية تذهب إلى أمريكا بنحو 450 ألف سيارة مقابل 900 ألف سيارة يتم صناعاتها داخل الولايات المتحدة سنويا يتم تصدير جزء منها إلى أوروبا، ستؤدي الرسوم إلى انخفاض الطلب وحدوث ركود وتضخم، خصوصا وأن نصف أجزاء السيارات الأمريكية يتم استيرادها من الخارج من المكسيك والصين، مما يرفع أسعار السيارات الأمريكية، خصوصا مع وضع تعريفات على الصلب والألمنيوم المستورد من أجل تصنيعه داخل الولايات المتحدة.
خصوصا وأن الأوروبيين استخلصوا بعد الحرب الروسية في أوكرانيا درسين عظيمين الأول أهمية الاستقلال في مجال الطاقة، والثاني عدم التعويل كثيرا على أمريكا في أمنهم، وهناك تقرير دراجي الذي يطالب الاتحاد الأوروبي بتطبيق خمس إصلاحات على رأسها إنشاء سوق مالية على غرار وول ستريت الأمريكية.
يتمسك ترمب بتعريفاته، والصين ترد عليها بفرض رسوم مماثلة 34 في المائة على 16 كيانا تجاريا أمريكيا، وتشعل احتمالات الحرب التجارية، وخسائر الأسواق العالمية تتفاقم وخسرت الأسواق الأمريكية تريليونات الدولارات بسبب انهيار الأسواق المالية في وول ستريت، وطالب ترمب بعدم الرد بالمثل، فيما طالب بالانخراط في مفاوضات للوصول إلى صفقات، لم تتوقف الصين على فرض تعريفات على كيانات اقتصادية أمريكية مماثلة، بل اتجهت أيضا إلى إعلان عن فرض ضوابط على صادرات المعادن النادرة المتوسطة والثقيلة إلى أمريكا، بجانب إجراءات عقابية ضد كيانات أجنبية أمريكية، ورفع الصين شكوى إلى منظمة التجارة العالمية بموجب آلية تسوية النزاعات في منظمة التجارة العالمية والوفاء بالتزامات دولية.
أعلنت الصين أنها مستعدة للعمل مع الاتحاد الأوروبي من أجل الحفاظ على نظام تجاري متعدد الأطراف قائم على القواعد وتعزيز الثقة في التجارة العالمية بعد التعريفات التجارية الأمريكية، وكندا تعتزم تحويل اتجاهها نحو أوروبا وآسيا لإيجاد أسواق جديدة، وعدت كندا أن الولايات المتحدة ليست شريكا وفرضت تعريفات على واردات السيارات الأمريكية تعريفات مماثلة بنحو 25 في المائة، وإن كان عدت اليابان أن التعريفات التي فرضها ترمب تمثل أزمة وطنية بسبب اعتماد اليابان على التصدير إلى الولايات المتحدة لكنها التزمت مقاربة هادئة هي وبريطانيا وتركيا مع إدارة ترمب.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى