الباحة - واس:
تنقّل الشاعر «الشنّفرى»، صاحب «لامية العرب»، وأحد أشهر الشُّعراء العرب في العصر الجاهلي، بين مناطق ومسارات مختلفة، منها منطقة الباحة، بحسب ما يذكره الباحث سعيد بن منسي الغامدي.
ووفق ما يرويه الغامدي لوكالة الأنباء السعودية (واس)، فإن الشنفرى ولد في القرن السادس الميلادي، واسمه ثابت بن أوس الأزدي -على الأرجح-، ونشأ يتيمًا في بني سلامان، ورعى البهم في جبال وأودية القرى بمنطقة الباحة، وبالتحديد في الناصف بوادي بيدة «أبيدة قديمًا».
وارتبط الشاعر «الشنّفرى» بعددٍ من الأماكن التي ما زالت تحتفظ بمسمياتها إلى اليوم مثل: قرية الرأس في بيدة، ووادي منحل، ووادي دحيس بمحافظة القرى.
وظلت سيرته لغزًا محيّرًا للباحثين خلال العصور الماضية، وفق ما يذكره الباحث محمد بن زياد الزهراني الذي أصدر كتابًا خاصًّا عن حياة الشنفرى عنوانه: «تصحيح الرؤى عن بيئة الشنّفرى»، وتناول فيه شعر «الشنّفرى» الذي اشتمل على كلمات لا تزال حية على ألسنة أهل هذه البلاد، من قبائل زهران، وغامد، ويتخاطبون بها إلى اليوم، الأمر الذي يدل على أنه من أهل المنطقة منشأً وولادة، أو أنه تأثر بالبيئة التي عاش بها.
ويرى الباحث محمد بن ربيع الغامدي، أن تاريخ الشنّفرى واقعٌ داخلته الأسطرة، مثل: الزير سالم، وأبي زيد الهلالي وسواهما، ومن علامات الأسطرة، وجود خلاف كبير في اسمه ونسبه، ومع مضي نحو ألفي عام على «الشنّفرى» ومغامراته؛ إلا أنه ترك إرثًا شعريًا جديرًا بالتلقي والدراسة.
وتُعد (لاميّة العرب) أشهر ما نُسب إلى الشاعر الشنّفرى، وتتكون من 68 بيتًا من البحر الطويل، وقد ترجمت إلى عدة لغات عالمية منها: الإنجليزية، والفرنسية، والألمانية، واليونانية، ومطلعها:
(أَقِيموا بَنِي أُمِّي صُدُورَ مَطِيِّكم
فإنِّي إلى قَوْمٍ سِوَاكمْ لأَمْيَلُ)
(قَدْ حُمَّتِ الحَاجَاتُ وَاللَّيْلُ مُقْمِرٌ
وَشُدَّتْ لِطِيّاتٍ مَطَايَا وَأرْحُلُ)
وعبّر «الشنّفرى» في قصيدته اللامية عن عددٍ من القيم والأخلاق، وعن قوته وشجاعته وقدرته على مواجهة الصعاب، وتفاصيل حياته اليومية في البرية، والعيش بعيدًا عن الناس، حيث قال عن السماحة والكرم والإحسان:
(وَمَا ذَاكَ إلّا بَسْطَـةٌ عَـنْ تَفَضُّـلٍ
عَلَيْهِمْ وَكَانَ الأَفْضَـلَ المُتَفَضِّلُ)
(وَإنّـي كَفَانِـي فَقْد مَنْ
لَيْسَ جَازِيًا بِحُسْنَــى ولا في قُرْبِــهِ مُتَعَلَّـلُ)
ويصف الأرض قائلًا:
(وفي الأَرْضِ مَنْأَى لِلْكَرِيـمِ عَنِ الأَذَى
وَفِيهَا لِمَنْ خَافَ القِلَى مُتَعَـزَّلُ)
(لَعَمْـرُكَ مَا بِالأَرْضِ ضِيـقٌ على امْرِىءٍ
سَرَى رَاغِبًا أَوْ رَاهِبًا وَهْوَ يَعْقِـلُ)
وبحسب بعض الروايات التاريخية؛ فإن «الشنّفرى» قُتل في القرن السادس سنة 70 قبل الهجرة النبوية، الموافقة لسنة 525 ميلاديًا، ووضعت «هيئة الأدب والنشر» لوحة تعريفية به بجوار قبره، وذلك في قرية سلامان بـ«محافظة المندق»، حيث تناقل الآباء والأجداد عن أسلافهم أن موقع قبره هناك.