أ.د.عثمان بن صالح العامر
عندما أقرأ آية الاستخلاف أتوقف طويلاً عند قول الملائكة لله -عز وجل- بعد أن أخبرهم سبحانه وتعالى أنه جاعل في الأرض خليفة (قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء)، أتعجَّب من حكم هذا العالم النوراني على جنس هذا المخلوق الجديد الذي لم يكتمل بعد أنه سيكون مفسداً في الأرض وسفاك دم.
ويأتي الجواب من الله على الاستفهام الإنكاري هذا، الصادر من عباد الله المكرمين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون (إِنِّي أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ).
* لقد شاءت إرادة الله - عز وجل - أن يكون من البشر مَن طبعه الإفساد في الأرض والسفك للدماء جراء طغيان الجانب المادي عنده على الروح، ولأنه لا يعلم ما يجب عليه معرفته والالتزام به تجاه خالقه ومولاه، ولا كيف يعيش في هذه الدنيا، وماذا ينتظره بعد الموت.
* كما قضى الله وقدَّر أن يظل الصراع والصدام بين الحق الذي طبع أهله السلام والأمان والباطل الذي يمثله هؤلاء المفسدون السفاكون حتى قيام الساعة، فالمدافعة بين الخير والشر سُنَّة من سننه في الأرض.
* نعم شاءت إرادة الله أن يعيش الإنسان في هذه الدنيا في بلاء وامتحان دائم تارة بالخير وأخرى بالشر، والقتل والتهجير والاغتصاب والتكسير والأسر والتفجير أشد أنواع البلاء المتوقع حدوثه على بني آدم، وهو ما يواجهه إخواننا في غزة هذه الأيام على يد الصهاينة المغتصبين ومن يقف معهم ومن بين أيديهم وعن خلفهم. والواجب علينا في حقهم أن ننصرهم حسب المستطاع، نقف معهم في محنتهم التي عظم خطبها وأسود ظلامها وكثرت جراحها وبقي ظهور الفجر الصادق الذي يجلي الغمة ويزيل عن المسلمين المستضعفين مأساتهم التي لن ينساها التاريخ.
* لقد تمادى هؤلاء الطغاة فساموا المسلمين سوء العذاب في صورة خارقة لكل الأعراف الدولية وأبسط المشاعر الإنسانية، وغاب عن بالهم أن هناك رباً قادراً على أن ينزل عقابه عليهم وعلى من عاونهم ووقف معهم بجند من جنده بين عشية وضحاها (فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ).
* إن علينا ونحن نرفل ولله الحمد والمنة ونرى صباح مساء ما يحدث لإخواننا الفلسطينيين في غزة أن:
* نحمد الله -عز وجل- على ما نحن فيه من نعمة عظيمة ومنة كبيرة، ونشكره جل شأنه أن جاد وتفضل بوجود قيادة حكيمة تحكم شرع الله وتولي الأمن جل اهتمامها وعظيم رعايتها؛ حتى ينام المواطن وأسرته وكذا المقيم والزائر لا يخاف ولا يحذر أحداً إلا الله.
* أن ندعم حملات الإغاثة التابعة لمركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية بما نستطيع، إذ إن هذا لون من ألوان النصرة لهم والوقوف معهم في محنتهم التي تعاظمت هذه الأيام.
* ندعو لهم في كل وقت وحين نعتقد أنه وقت حري فيه أن يستجيب الله لنا فيه، وما يدري الإنسان أن يكون بدعائه لأخيه في ظهر الغيب فرجاً قريباً.
فاللهم احقن دماء إخواننا في غزة، ارحم موتاهم واشفِ مرضاهم وفك أسراهم واحفظ أعراضهم واحمِ ممتلكاتهم وانصرهم على عدوك وعدوهم نصراً مؤزراً مبيناً عاجلاً غير آجل يا رب العالمين، دمتم بخير وإلى لقاء والسلام.