عبدالله إبراهيم الكعيد
تردني أحياناً مقاطع مصوّرة للقاءات مع كبار سن يسردون فيها ذكرياتهم عن أحداث ماضية يقولون بأنهم عاصروها أو سمعوا عنها. بعض تلك الذكريات شخصية أي أن المتحدث يسرد حكايات مرّت عليه كي يشرح حالة اجتماعية معينة في الماضي أو يحكي عن موقف غريب أو طريف لمجرد التسلية أو أخذ العبرة.
كل هذا ليس أمراً مقلقاً، إنما حين يتحدث أحدهم عن وقائع تاريخية مهمّة حدثت في بلادنا أو مواقف للملوك الذين تعاقبوا على حكم هذه البلاد فهنا لابد من تحرّي الدقة والرجوع للمصادر المعنية بتاريخ المملكة من بدء تأسيسها عام 1727م وأكثر تلك المصادر موثوقية دارة الملك عبدالعزيز تلك المؤسسة الوطنية التي تُعد مرجعاً عالمياً في تاريخ المملكة وتراثها وأيضا كل ما يتصل بتاريخ الجزيرة العربية.
أقول قولي هذا كي أُذكّر البعض ممن يستسهلون نشر لقاءات مصورة مع بعض كبار السن الذين قد (تشطح) بهم الذاكرة لسرد أحداث لم تقع أصلاً أو تكون قد وقعت، ولكن تروى بطريقة مشوهة (كثيرة البهارات) أو غير دقيقة.
لا أخفيكم سراً بأن كاتب هذه السطور لم يعد يعتمد على ذاكرته في الكتابة الموثقة كمقالات أو في مؤلفاتي عن أحداث مضت منذ أزمان حتى ولو عاصرتها شخصيا وأعرف تفاصيلها ومع هذا أسأل غيري كي يصحح لي أو يؤكد وقوعها. للزمن سطوته وللعمر تأثيره والذاكرة تشيخ كبقية الأعضاء فلماذا نُكابر؟
لو كان السرد لمجرد المتعة كحكاية الجدات حين يتحلق حولهن الصغار فيحكين لهم قصصاً من تأليفهن فلا بأس، ولكن أن يتم توهم وقوع حدث من قبل أحدهم ويتم تسجيله صوتاً وصوره وتوثيقه في الشبكة العنكبوتية فذلك يعد تشويها للتاريخ ضرره كبير.
لا جدال في أن مخازن معلومات الإنترنت أصبحت بمثابة ذاكرة العالم وكثيرا ما يتم تغذية تلك المخازن بمعلومات وأخبار غير صحيحة بغرض تشوية بلد ما أو شخصيات عامة أو لمجرد العبث. كل ما يتم حفظه في تلك المخازن يخرج بلمسة زر من أي مستخدم. قد يتم التدخل لدحض الأكاذيب والمعلومات المُضللة، ولكنها لا تنحذف من ذاكرة الشبكة الا إذا قام من نشرها بحذفها هو بذاته.
اين المشكلة إذاً؟
المشكلة في المستقبل حينما ينقرض الجيل الحالي وتأتي أجيال لم تعاصر أحداث الحاضر وأكيد الماضي ويبحث أحدهم في الشبكة عن تاريخ معين ستخرج له تلك المعلومات المغلوطة فيتم اعتبارها صحيحة وهكذا يتم تشويه التاريخ.
صفوة القول: الكلمة مسؤولية والذاكرة المثقوبة تُخاتل صاحبها فتخدعه وتخدع غيره معه.