د. أحمد محمد القزعل
يعني مفهوم تنمية حب القراءة في العصر الرقمي تعزيز الرغبة والشغف بالقراءة بين الأفراد، سواء أكانوا أطفالاً أو بالغين، في زمن تسيطر فيه التكنولوجيا على وسائل التعليم والترفيه، والهدف من ذلك هو جعل القراءة تجربة ممتعة ومتاحة عبر الوسائل الرقمية المتنوعة، بحيث يستفيد القراء من التحول الرقمي للوصول إلى الكتب الإلكترونية والمقالات والمحتوى المتنوع الذي يمكنهم استكشافه عبر الإنترنت دون التخلي عن قيمة الكتاب الورقي وأهميته.
ولا بد من استخدام التكنولوجيا كوسيلة تشجيعية من خلال استخدام التطبيقات التفاعلية التي تحوّل القراءة إلى مغامرة مرئية ومسموعة، مما يشجع الأطفال والشباب على القراءة، وضرورة توفير المحتوى المتنوع والجذاب وتوفير الكتب الإلكترونية والمقالات التي تناسب اهتمامات القارئ، سواء أكانت علمية أو خيالية أو حتى قصص مغامرات، والعمل على إطلاق مبادرات القراءة الجماعية مثل أندية القراءة الافتراضية التي تجمع القراء حول العالم لمناقشة الكتب وتبادل الآراء، ونؤكد أهمية تحفيز القراءة من خلال برامج المسابقات وتقديم الجوائز للقراء الشباب الذين ينجزون تحديات قراءة معينة وهذا بالطبع يعزز من حبهم للقراءة.
حقيقة إن القراءة توسّع المدارك وتساعد على التفكير النقدي وتنمية مهارات البحث والتحليل، مما يسهم في بناء أجيال قادرة على فهم المعلومات المتاحة عبر الإنترنت بسرعة والتفاعل معها بوعي وثقة، كما أن تنمية حب القراءة يعزز من فهم الثقافات المختلفة ويساعد في تقليل الفجوة بين الأجيال في عصر تتغير فيه الوسائط الثقافية بسرعة، ويتيح حب القراءة للأفراد البحث المستقل عن المعلومات ويشجع على الاكتشافات الجديدة والالتزام بالتعلم المستمر، ويسهم في مرونة الوصول إلى المحتوى ويوفر الكتب الإلكترونية والمكتبات الرقمية إمكانية الوصول إلى مصادر متنوعة في أي وقت ومكان، كما أن الكتب الصوتية ومقاطع الفيديو التعليمية تتيح تجربة قراءة أكثر تكاملاً وتفاعلاً.
ومن أهم أهداف تنمية حب القراءة في العصر الرقمي: تطوير شغف القراءة كعادة مستمرة، حيث تشكل القراءة جزءاً أساسياً من حياة الأفراد اليومية، بعيداً عن الاعتماد الكامل على الوسائل الترفيهية السطحية، وتركز على أهمية تعزيز التوازن بين القراءة التقليدية والرقمية والاستفادة من التكنولوجيا دون إهمال قيمة الكتاب الورقي التقليدي، وتشجيع الابتكار والتعلم المستمر من خلال الاطلاع على مجالات جديدة تسهم في تطوير الفكر وتنمية المهارات الإبداعية ونشر الوعي بأهمية القراءة لبناء مجتمع واع وقادر على مواكبة التحديات الثقافية والاجتماعية.
ويقول الكاتب الأرجنتيني خورخي لويس بورخيس في بيان الأهمية الروحية والفكرية التي يضفيها الكتاب الورقي على حياة الإنسان: «دائماً تخيلت أن الجنة هي مكتبة»، ويقول الكاتب الإيطالي ماركوس توليوس شيشرون: «غرفة بلا كتب تشبه الجسد بلا روح»، ويقول الكاتب الأمريكي جوناثان فرانزن: «هناك شيء في الكتاب الورقي لا تستطيع التقنيات الحديثة مجاراته، ذلك الدفء والعمق الذي يحمله بين طياته».
ونبين مميزات الكتاب الورقي مقارنة بالكتاب الإلكتروني حيث يوفر الكتاب الورقي تجربة مادية للقراءة لا يمكن أن يحل محلها الكتاب الإلكتروني مثل تقليب الصفحات وشم رائحة الورق، وغالباً ما يجد القراء أن القراءة على الورق تتيح تركيزاً أعلى، بعيداً عن الإشعارات والتنبيهات المشتتة في الأجهزة الرقمية، كما أن الكتاب الورقي يمكن أن يستمر لعقود طويلة على رفوف المكتبة في حين قد يكون الكتاب الإلكتروني عرضة لفقدان الوصول بسبب التغيرات التقنية، كما يشعر العديد من القراء بقيمة اقتناء الكتب الورقية كجزء من ثقافتهم وهويتهم فهي تضيف لمسة شخصية للمكتبات المنزلية.
لكن هل سينتصر الكتاب الإلكتروني على الورقي؟ هذا السؤال يثير الكثير من النقاش، حيث يرى البعض أن الكتاب الإلكتروني سيستمر في النمو بسبب سهولة حمله وتوفره بأسعار أقل، في حين أن الكتاب الورقي يحتفظ بسحره الخاص لدى محبي القراءة التقليدية، ومن الصعب التنبؤ بانتصار أحدهما على الآخر بشكل مطلق، لكن الأرجح أن يستمر كلا الشكلين في التعايش، حيث يخدم كل منهما أغراضاً واهتمامات مختلفة.
لكل ما ذكر لابد من تطوير برامج تعليمية رقمية مشوقة ودمج القراءة ضمن برامج تعليمية تستخدم الألعاب والتحديات الرقمية لتشجيع الأطفال على القراءة، مع ضرورة إنشاء مكتبات إلكترونية مفتوحة المصدر بحيث تتيح الوصول المجاني للكتب الرقمية مما يعزز الثقافة القرائية في المجتمعات الأقل حظاً، ونؤكد أهمية تنظيم فعاليات القراءة الرقمية مثل الماراثونات القرائية عبر الإنترنت حيث يشارك القراء من جميع أنحاء العالم في قراءة نفس الكتاب ومناقشته، ونشير إلى ضرورة تشجيع القراءة العائلية المشتركة من خلال تخصيص أوقات يومية للقراءة مع أفراد الأسرة مما يعزز حب القراءة لدى الأطفال.
وفي الختام نقول: إن تنمية حب القراءة في العصر الرقمي تمثل تحدياً وفرصة في آن واحد، فالتكنولوجيا التي قد تبدو في بعض الأحيان منافساً للقراءة التقليدية يمكن أن تكون حليفاً فعالاً لتعزيز شغف القراءة إذا أحسنّا استخدامها، ومن خلال الجمع بين مزايا الكتاب الورقي وقوة الأدوات الرقمية يمكننا أن نبني جيلاً قارئاً قادراً على مواجهة تحديات المستقبل بروح المعرفة والاستكشاف.