علي الخزيم
= مَنشأ العنوان استَمِدّه من حديث رجل ظريف زار إحدى مدن منطقة القصيم برحلة عمل تواصل خلالها مع زميل دراسة كانت تجمعهم أواصر الألفة؛ وقال: قبل التّوجّه لمنزله أحببت أن أهدي أطفاله أصنافًا من الحلوى فبحثت إلكترونيًا عن محل مناسب وتوجهت إليه؛ وبالتجوال بالمحل الزاخر بالمنتجات المَحَلّية ومن ابتكارات الأسر المنتجة هناك من الحُلويات والكعك والكليجا وأمثالها مِمَّا طاب بالمَظهر والمضمون؛ فقد راقَني اسم لصنف منها هو(ريق البنات)؛ وكان لافتًا مِمَّا دفعني لشراء علبة خصصتها لي، غير أن الحديث عن مُتعلقات اسم الحلوى الجميل الجاذب صَرَفَنا وأنسانا السؤال عن المدينة والمحل ومكونات تلك الحلوى التي أنصح من شاخ بالعمر بعدم الاقتراب من اسمها أو ترديده خشية عليهم من سطوة ذكريات الصبا والشباب!
= قلت: بأن أهل القصيم الكرام كانوا وما زالوا يبدعون بمجال التجارة والتسويق ولهم باع طويلة بهذا الميدان يطول الحديث حوله، ثم إن حديث الرجل عن سخاء الضيافة هناك لا جديد به؛ فهم وإن كانوا أهل مال وأعمال إلَّا إنهم يكرمون ضيوفهم وأنفسهم بنهج جميل مُبتكر كإبداعهم بالتجارة، أما عن مُسَمَّى الحلوى الترويجي اللطيف فهو لا يَبتعِد عن مضامين تقدير رجال جزيرة العرب قديمًا وحديثًا للمرأة وإعلاء شأنها وصيانة كرامتها وإحاطتها بالحب والإكرام، فهذه قاعدة مُعَتَبرة؛ ولا حُكم لأفراد لا يلتزمون بها.
= وحين أقول إننا بجزيرة العرب ننظر للمرأة نظرة رُقِي وإكرام فإن القرائن أكثر من أن تُحصَى بسطور أو كتاب؛ غير أني سأنطلق من المُسمَّى اللطيف لتلك الحلوى للاستشهاد بنصوص شعرية لشُعراء ما قبل الإسلام وبعده ومن عصرنا الحاضر يؤكدون متانة وعلو مشاعر العربي تجاه أهل بيته ونساء مجتمعه، ولكن قبل هذا أود التأكيد على أن مناطق مملكتنا الحبيبة كافة زاخرة بالإبداع والابتكار بكل فن ومجال، ثم إن هذا التَّميز أخذ يُلفت زوار وضيوف المملكة وتَنْقُله وسائل الإعلام والتواصل المتعددة.
= وريق الزوجة والحبيبة عند أهل جزيرة العرب رمز للتَّغني والتَّغزل؛ وهم بمواقف ومحافل كثيرة لا يتحرجون من إظهاره والإفصاح به لِمَا توفَّر لديهم من أثره العميق بقلوب نسائهم وعشيقاتهم؛ فذاك الشاعر البليغ كعب بن زهير يُلقي قصيدة (البُردة) بحضرة أشرف الخلق نبي الهدى ويستهلها بأبيات غزلية ورَمَز بسُعاد للمُتَغَزَّل بها، ولزهير بن أبي سُلمى قوله بهذا المعنى:(كأنّ رِيقَتَها بَعد الكَرَى اغتُبِقَت * مِن طَيِّب الرَّاحِ لمّا يَعْدُ أن عَتُقا).
ونُسِب لأعشى همدان قوله:
(وكأن ريقها على علل الكَرى
عسل مُصفّى في القلال وقَرقَف)
وقال آخر:
(نَقَل الأراك بأن ريقة ثغره
من قهوة مُزجَت بماء الكوثر)
وجاشت عاطفة مجنون ليلى حين رآها تَسْتَاك فقال:
(نظرتُ إليها والسواك قد ارتوى
بِرِيقٍ عليه الطَّرفُ منِّيَ باكِ)
= وإن حاز ريق المحبوبة كل هذه العناية والاهتمام اللافت فإن الثَّغر نال نصيبًا وافرًا من التّغنّي والإطراء والذِّكر الحسن؛ فمن ذاك قول جميل بن مُعمَّر يستعذب حديث بثينة:
(تجود علينا بالحديث وتارة
تجود علينا بالرُّضَاب من الثغر)!
الرُّضَاب: رَغوَة العسل.