غالية بنت محمد عقاب المطيري
الدراما لها تأثير كبير، بل إنها تعد الآن من أكبر أسلحة الدول في نهضتها السياحية والاقتصادية بل حتى السياسية. ومن ينكر ذلك هو كمن ينكر نور الشمس في وضح النهار. لذلك أن نَشْعُرَ جميعنا بالفخر بالدراما السعودية هذا أمر بديهي وأن نُشجعها هذا أيضًا من المُسُلَّمات والبديهيات، ولكن، أخشى أن يكون في اندفاعنا هذا ما يشبه تصرف أبوين يحبان طفلهما ذا الثلاثة أعوام، فيحرصان على تشجيعه على أي عمل يقوم به، حتى وإن لم يبذل فيه إلا جهدًا بسيطًا. كأن يشجعاه على حمل كأس صغير من الشاي بعد أن يقومان بخفض درجة سخونته، فما يكون من ذلك الطفل إلا أن يندفع - بدافع التشجيع - إلى كأس ملتهبة من الحرارة، فيحملها، لكنه يُسقطها على نفسه، فتُحرقه. حينها يحل الألم والحزن على والديه، ويصيب ذلك الصغير الخوف والانهزامية.
وهذا ما أخشاه على الدراما السعودية والإنتاج السعودي، عندما نصفق لكل عمل دون تقديم النقد البناء، ودون وضع السلبيات والإيجابيات لكل عمل درامي تحت مجهر النقد الجيد.
الفترة الماضية طالعتنا الصحف والمجلات بمقالات تترى بزفرات ووحدان، ووسائل الإعلام تلفاز ومقابلات مدحاً وثناءً على عملين سعوديين، وهما فيلم هوبال ومسلسل شارع الأعشى.
والحقيقة هي أن الدراما إنتاج يقوم على أحداث خيالية في أغلبه وعلى الحبكة التي تقوم على تداخل الأحداث وتشويقها، لذلك الدراما مثل الشعر الذي قيل فيه إن أجمله أكذبه، ووصفه الله في قوله سبحانه {وَالشُّعَرَاء يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ وأَنَّهُمْ يَقُولُونَ مَا لَا يَفْعَلُونَ}. وهذا يعني أن الدراما ليس مطلوبا منها أن تكون مثاليه، ولا يمكن أن تسيء إلا إذا حدد النص فترة زمنية معينة أو دراما السير الشخصية.
لذلك تجد أن هناك تنويهًا في بداية أي عمل يُذكر فيها أن هذا العمل من محض الخيال والشخصيات لا تمت للواقع بصلة. وهذه الأمور القانونية يعلمها أهل الإنتاج والقانونيون في هذا المجال وسبب ذلك اللبس الحاصل هو غياب النقد. لذلك نحن في صدد الحديث أولاً عن نقد هذين العملين من الناحية الفنية والأدبية.
أولاً: ما هي حجج من قال بنجاح مسلسل «شارع الأعشى»؟
- الفريق الذي يقول إن شارع الأعشى نجح يعتمد على نسبة منصة «شاهد» فقط دون الأخذ بعين الاعتبار عدة تساؤلات منها؛ «شاهد» كمنصة هل هي فعلاً تحقق نسب مشاهدة عالية؟!
فكم عدد المشاركين في منصة «شاهد» وهل تعتمد هذه النسبة على من حاول التسجيل ولكنه لم يسجل؟
وهل من اشترك ثم لم يجدد هو أيضًا ضمن نسبة المنصة؟
ومن هي الفئات العمرية التي تشاهد أو تستخدم منصة «شاهد»؟
منصة «شاهد» في آخر إحصائية لها تذكر أن مشاهديها أو مشتركيها بلغوا 17 مليون مستخدم، وفي تقارير ذكرتها بعض الصحف عن نجاح مسلسل شارع الأعشى لم تذكر العدد الفعلي لعدد المشاهدين!
ولم توضح هل استمروا في مشاهدة المسلسل حتى نهايته أم لا؟
وهذا ما ذكرته الصحيفة بالنص والتي تستدل على نجاح العمل بقولها:
(كما تواجد مسلسل «شارع الأعشى» في قائمة الأنجح على منصة «شاهد» حول العالم، حيث احتل المركز العاشر برصيد 50 نقطة، في وقت سيطر بشكل كامل على صدارة الأعلى مشاهدة في المملكة العربية السعودية في منصة «شاهد»، فالمسلسل يعد من الأعمال التي حازت على إعجاب الجمهور في السعودية خلال الأيام الماضية، وتداول العديد من المشاهدين بعض اللقطات والأحداث التي تدور في فترة السبعينات في المملكة، وتحديدًا في شارع الأعشى).
- كما أن بعض المنصات والشركات المنتجة أصبحت تعتمد على إثارة الجدل كاستراتيجية ترويجية لكنها ليست بضرورة دليلاً او مقياسًا حقيقيًا للنجاح.
وهذا يقودنا إلى تساؤل مفاده: هل يمكننا الحكم بنجاح مسلسل شارع الأعشى؟!
والحقيقة المزعجة رغم تحسن مستوى التمثيل والإخراج والإنتاج، إلا أن المسلسل لم يرقَ إلى مستوى النجاح، لأسباب منها:
1- الأداء التمثيلي للممثلين غير واقعي لتجسيد الشخصية، وخذ مثالًا على ذلك شخصية وضحى، وهي شخصية للمرأة من البادية، الممثلة جسدتها على أنها ذات صوت حاد يميل لصراخ والجسارة في المحادثة مع الغريب والحنان (الميانة) المبالغ فيه مع الجار، وكل هذا منافٍ للواقعية.
المرأة البدوية من جداتنا حييّة لا ترفع الصوت، لا تخاطب الأجنبي، تسأل على استحياء وخاصة من كانت أرملة في ذلك الوقت، فهي تجمع بين الحياء وقوة الصبر، فتربي أبناءها. بل الكثير منهن ربت أبناء زوجة زوجها الثانية بعد وفاة الاثنين وكانت تربيتها لهم منذ الصغر قائمة على تحمل المسؤولية في قضاء حاجاتها خارج المنزل. وخذ مثالًا آخر على عدم الواقعية في المسلسل، شخصية «عزيزة»: متى كانت الفتاة السعودية تحب أجنبيًا أو تتحدث معه؟! في حقبة زمنية كان خروجها من البيت لا يتم إلا برفقة أحد أفراد العائلة، ولو كان طفلًا، وهذا ما كان ينتقده الكتاب الذين يمتدحون المسلسل اليوم. فلماذا هذا التناقض النقدي عند البعض؟!
2- غياب الحبكة الدرامية:
الحبكة في المسلسل غير مدقّقة أو بتعبير أدق، لا توجد حبكة. فما هي الأحداث التي تشابكت؟
- ما هي الإثارة التي جعلت المشاهد يتفاعل؟
- هل صراخ امرأة من البادية حبكة؟
- هل فتاة تقع في حب ولد الجيران، ثم يرفض أهلها أن تتزوجه لأنه إرهابي، ثم لاحقًا تقتل على يد الزوج، تعد حبكة؟
- هل قوة الحبكة في تراقص على أنغام عبد الحليم حافظ وسعي للهروب مع طبيب عيون؟!
وبغض النظر عن كل هذه، هل هذه الأحداث التي لم يكن لعقل أشد الناس خيالاً في ذلك الوقت من تخيلها يمكن أن تكون حبكة؟!
3- أحداث المسلسل وقصته لا تناسب المجتمع السعودي في تلك الحقبة.
وقد أجدها مجدية لو لم تحدد حقبة معينة، ولا غرابة أن يخرج العمل بهذا التناقض المخل، لأن اختيار الكتاب - وهم غير ناطقين بالعربية - تسبب في تشويه البيئة السعودية وعدم تجسيدها بشكل دقيق. فكيف يستطيعون حبك قصة عن المجتمع السعودي وهم لم يعايشوه ويعلموا طبيعته؟
ولقد ذكرنا ذلك سابقًا في مقال «الدراما المعربة» الذي نشر في مجلة اليمامة: «إن نجاح كتاب الدراما في مجتمع ما لا يعني أن نقلدهم، لأن تقليد النجاح يهوي بشخصيتك ويجعلك مسخًا مشوهًا لا يمكن للعين مشاهدتك أو حتى النظر إليك».
أما الأمر الآخر الذي منع نجاح المسلسل هو أنه يتم حشر بعض الممثلين في بعض الأعمال حشرًا دون النظر الى أداء الدور، وهل هذا الممثل يليق مع الدور من حيث العمر أو النضج أم لا؟!
وذلك رغم وجود ممثلين جديرين وأقدر على أداء تلك الأدوار؟! ومثال على ذلك شخصية «أبو إبراهيم»، لماذا نجعل شابًا في الثلاثين يؤدي دور شخص في الستين أو الخمسين؟
لدينا ممثلون كان من الممكن بل من المؤكد أنهم كانوا سيؤدون الدور بشكل أفضل من الناحية الواقعية والنضج أيضًا، وهناك أمثله أخرى.
كل هذه الأسباب مجتمعة هي المشكلة الحقيقية والعائق الوحيد الذي حال دون نجاح مسلسل «شارع الأعشى» رغم تلك الهالة الزائفة التي للأسف التي صُنعت حوله.
ثانيًا: فيلم هوبال
أداء الممثلين في هذا الفيلم كان أكثر من رائع، وهو من أبرز نقاط قوته، حيث قدموا مشاهد صادقة وواقعية. لكن هناك إخفاقًا كبيرًا في القصة، حيث تضمن الفيلم مغالطات تاريخية، مثل:
- الأحداث تدور خلال غزو الكويت، لكن الفيلم أظهر المملكة وكأنها تعيش في عصر متأخر، بينما في الواقع كانت تلك الفترة في أوج مراحل التطور.
- استخدام لفظة «التنباك»، رغم أنها لفظة اندثرت منذ عقود طويلة.
كما أن لحظة تذكر الأخ سبب موت أخيه كانت ضعيفة إخراجيًا، رغم أن المونتاج بشكل عام كان جيدًا.
والقول الفصل هو أن الحبكة والقصة هي من أخلت بالفيلم وجعلته رغم المجهود والإبداع في التمثيل والإخراج والأداء والمونتاج لا ينجح.
كيف يمكن تلافي هذه الإخفاقات وصناعة عمل درامي ناجح؟
1- الاستعانة بأهل الاختصاص عند الكتابة عن حقبة تاريخية.
2- تدريب الممثلين وتكثيف ورش العمل والقراءة والاطلاع لصقل الأداء.
3- ضبط الحبكة بحيث يكون الخيال عنصرًا تجميليًا وليس مشوهًا للواقع.
دائمًا وضع عبارة «شخصيات هذا العمل من وحي الخيال ولا تجسد الواقع» في بداية أي عمل هذا التنويه البسيط ينهي كل خلاف أو صراع قبل أن يبدأ.
في النهاية، الدراما السعودية لديها من مقومات النجاح ما يجعلنا نقول إنها قادرة على تحقيق المنافسة العالمية ونسعى أن تكون السلاح الذي ندافع به عن وطننا ونعلي بها مكانته ولكنها بحاجة إلى نقد بناء ومتوازن من أجل تطويرها.