م.عبدالمحسن بن عبدالله الماضي
يصنف علماء النفس مستويات المشاعر إلى ثلاثة مستويات: أدناها مستوى «المشاعر الجامدة»، وهي إما محايدة أو غير مبالية أو لديها من الهموم ما يجعلها لا تستطيع تحمل أي مزيد من الإثارة، أو خائفة تبتغي السلامة الشخصية الخاصة مهما كان الحدث أو الموضوع أو الموقف الذي يحرك المشاعر أمامها، لكنه فضل أن ينأى بنفسه ويجمد مشاعره، ويبرر لنفسه إما بأنه لا يعرف أو ليس متأكداً أو ليس له علاقة أو ما في اليد حيلة، إلى آخر الأعذار الهروبية.. المشاعر الجامدة حالة سلبية تجعل الشخص لا يتخذ قراراً ولا موقفاً، ولا يستفيد من الحالة لخدمة نفسه أو خدمة غيره.. وهذه المشاعر الجامدة تجاه الأحداث أو الأشخاص لها تأثير سلبي على صحة النفس والبدن، فهي ترفع من مشاعر عدم الأمان الداخلي، وتفقدنا الثقة بالنفس وبالمحيط، وتجعل قراراتنا في كل الأحوال قرارات متضاربة مشوشة مرتبكة تدل على اهتزاز الشخصية.
المستوى الثاني من المشاعر هي الحالة المناقضة للجمود وهي «المشاعر الجياشة» المفعمة بالروح والحيوية، وهي مشاعر غير محايدة بل هي مشاعر منحازة دوافعها إما غضب أو فخر.. وبقدر ما أن هذه المشاعر منفعلة بقدر ما هي مشوشة وفاقدة للتركيز لأنها مندفعة.. وإذا كانت المشاعر الجامدة سلبية في كل حالاتها إلا أننا لا نستطيع أن نصنف المشاعر الجياشة بالسلبية أو حتى بالإيجابية، فهي مشاعر متحركة متدفقة طموحة تحدوها الرغبة الجامحة.. والإنسان بكل هذه المشاعر الفائرة تكون قراراته قسرية ومتسرعة، وأحياناً لا تكون في حساباتها الربح أو الخسارة، أو مشاعر الآخرين أو حقوقهم أو مصالحهم، بل إن دافعها انفعالي ذاتي شخصي أناني، من هنا فإن سلبية أو إيجابية تلك المشاعر تعتمد على النتائج المتحققة.
أما المستوى الثالث من المشاعر فهي «مشاعر عليا» تقوم على الحب والقبول مع الشجاعة في إبدائها، وهي مشاعر إيجابية بحتة في كل حالاتها.. فإذا كانت المشاعر الجامدة سلبية بشكل مطلق، وإذا كانت المشاعر الجياشة تراوح في نتائجها ما بين السلبية والإيجابية، فإن مشاعر الحب مشاعر إيجابية بشكل مطلق لأنها مشاعر مستقرة غير مرتبكة أو مشوشة أو مترددة أو خائفة أو مرهقة، فهي تمنح الشخص الحرية في التركيز وبروية على الموقف أو الحدث وقراءة كل تفاصيله وفهمها.. مشاعر الحب هي مشاعر سلام في أصلها تبحث عن الحلول والأفكار الإبداعية لمواجهة المشكلات بعيداً عن الحلول القطعية التي قد تؤذي الآخرين ولا تهتم بمشاعرهم أو مصالحهم.. مشاعر الحب والسلام تحرر العقل من القلق والهواجس والمحاذير فترتفع بذلك قدرة الإنسان على التواصل والوصول إلى نتائج يكون الجميع فيها رابحاً.. وهذا بدوره يدفع الجميع إلى التعاون معه والانضواء تحت قيادته، فمشاعر الحب والسلام هي أهم صفة في القائد في كل ميدان.
«للمشاعر الجامدة» تأثير سيء على الاتصال بالآخرين ومحاولة إقناعهم بفكرة أو رأي أو منتج أو اقتراح أو خدمة أو أي شيء آخر، ذلك أن جمود المشاعر ناتج عن اللامبالاة أو الخوف، وهذه تدل على عدم الثقة وانخفاض تقديره لذاته فيفشل في تقديم أفكار ذكية مقبولة.. في المقابل فإن صاحب المشاعر الجياشة هو أكثر قدرة اتصالية بالآخرين، إلا أنه يقع في مشكلة أنه سوف يتكلم أكثر من الآخر وسوف يكون أقل إنصاتاً لما يقوله الآخر، وربما يبالغ في موضوعه، مما يحول موضوع الحوار إلى جدال وتحدٍ، بل استفزاز للمتلقي من خلال الضغط والإلحاح والصوت المرتفع وتحريك اليدين المبالغ فيه.. بمعنى أن الطاقة العالية أحياناً تتحول إلى سلبية إذا لم يفطن لها صاحبها، لأن العملية تتحول بالنسبة له إلى أنه ربح والآخر خسر، وهذا يرفع من دفاعية المتلقي ورفضه لما يحاول صاحب المشاعر الجياشة بيعه أو إقناعه به.. ثم يأتي صاحب «مشاعر الحب والسلام»، الذي يكون عادة ذا قدرة فذة في الاستماع والتفهم، وبالتالي جعل موضوع الحوار الذي يريد أن يقنع به الآخر في موضعه الصحيح، ولا يوحي للمتلقي أن الحوار سيتحول إلى فائز وخاسر، بل سوف ينظر إلى الموضوع على أن الطرفين يبحثان عن الحقيقة ويتعاونان في البحث الجاد عنها، وبالتالي فهما متفقان وليسا متنافسين أو خصمين.
الخلاصة: إن المشاعر الإيجابية تظهر على وجوهنا وفي سلوكنا ومن خلال حديثنا، وبالتالي فهي تؤثر في صحتنا ونتائج أعمالنا ودرجة تأثيرنا في الآخرين.. الأمر الآخر أن كل حديث أو سلوك أو شكل أو حدث أو موقف أو موضوع يمكن أن يتم نسيانه إلا المشاعر، فهذه لا يمكن نسيانها.