رمضان جريدي العنزي
في مواقع التواصل أصبحت الغالبية العظمى ومن جميع الأعمار والأجناس تفتي كيفما تشاء، وفي جميع التخصصات والمجالات بعيداً عن المعرفة التامة والرسوخ في العلم، لقد أصبحوا علماء ذرة ومجرات وأفلاك، وأطباء قلوب وعيون وجلدية وحساسية، وخبراء بالزراعة والتجارة والأسهم والمضاربات العقارية، وعارفين بالكيمياء والفيزياء، ومدربين ومحاضرين وخبراء، وعلماء نفس وجسد، ومفسري أحلام ورؤى، وبإمكانهم معالجة الأمراض المستعصية والصعبة والمستحيلة، والتي عجز عنها الطب الحديث والمختبرات العالمية، حسب زعمهم واعتقادهم وظنهم، لقد أصبح الكل يفتي في كل شيء دون اكتراث بعيداً عن التخصص والمجال، فأينما تجول عيناك في مواقع التواصل تعثر على دكتور وفيلسوف وباحث ومحلل مزيف ظهر فجأة وطفح على السطح من غير علم ولا معرفة ولا دراية ولا تخصص، بل بأمية تامة وجهل كبير، وهو الذي لا يعرف أصلاً جدول القسمة والضرب، ولا يفرق بين الجمع والطرح، ولا يعي أبجدية الحروف ومعنى اللغة، إن هؤلاء يعيشون وهم العلم والمعرفة ويعتقدون بأنهم اللب والجوهر والدائرة والمرتكز ويتمادون بذلك، لأنهم يجدون من يصدقهم بيقين، ويصفق لهم بحرارة، ويركض وراءهم ركضاَ، ويمارس الدعاية لهم، بلا وعي ولا تفعيل عقل، إنهم يوهمون الناس بقدراتهم الخارقة على تقديم نفع، ودفع ضرر، وفق خداع مقنن، وأسلوب مخادع.
إن هؤلاء آفات خطيرة يجب أن نحذر الناس منهم، لأن أعمالهم لا تقوم على أسس علمية صحيحة، ولا خبرات تراكمية حقيقية، إنهم يكذبون ويدلسون لأنهم وجدوا في منصات التواصل المتنوعة سوقاً رائجة لكذبهم وتدليسهم والمبني على الكسب والتربح بأي طريقة وكيفية كانت، لقد أصبحوا أدوات مدمرة دون أدنى مسؤولية دينية ولا أخلاقية، لقد أصبحت منصات التواصل مجالس للكذابين والمدلسين والمرتزقة والباحثين عن المادة بأي طريقة وأسلوب، لقد تاجروا على هذه المنصات في كل شيء بتقديمهم معلومات مغلوطة وفق خداع مدروس وإيماءات حركية، يتبعها حلف كبير وقسم عظيم بأن هذا الشيء مجرب ومضمون وذو فائدة مهولة وجبارة، لا يمنعهم مانع، ولا يصدهم مصد، ولا يثبط عزائهم مثبط، ولا يردعهم رادع، إنهم يحتالون على الناس لإيقاع المتلقين واصطيادهم، وفق توهمات وتصورات غير حقيقية ولا صائبة، فيها الكثير من الغش والتضليل والخبث والمخاتلة، إنهم يهدرون أوقات الناس وحاجاتهم بألاعيب خادعة، وأساليب غاشة، وحركات بهلوانية، ومسرحيات عبثية، إنهم مثل الذي يخلط الحق بالباطل، وذلك من أجل تبرير أفعالهم وتصرفاتهم، البعض من هؤلاء وصل به جنون العظمة إلى أن يتخيل نفسه الملم بكل الأشياء والفاهم والعارف والمستنبط.
إن هؤلاء نشاهدهم ونراهم ونسمعهم على وسائل التواصل المتنوعة والمختلفة والتي تطارد الناس ليل نهار، فما أكثرهم بين ظهرانينا، يروجون لبضاعتهم الفاسدة والضارة والمفسدة، دون كلل ولا ملل، ويصرخون في الناس بكل ما أوتوا من قوة ليصدقوهم، لقد أصبح الكذب مهنة لهؤلاء الذين لا مهنة لهم، لكن هؤلاء المزيفين في النهاية سيكونون أمام مصيدة التاريخ ومقصلته التي لا ترحم، وسوف يحاسبون حساباَ عظيماَ أمام جبار السموات والأرض، ولن ينفعهم حينها كذبهم وبهتم وزيفهم وتزويرهم وتلفيقهم، وسيندمون أشد الندم يوم لا ينفع الندم.