عبداللطيف بن عبدالله آل الشيخ
يقول المثل الشامي الشهير: «اللي مش من ترابها ما يهمه خرابها»، وهو مثل يحمل في طياته حكمة عميقة تنطبق على واقعنا اليوم، خاصة في سياقنا كسعوديين نعيش في وطنٍ بناه الأجداد بجهدهم وعرقهم، وحافظ عليه الآباء بتضحياتهم وإخلاصهم.
هذا المثل يذكرنا بأن حب الوطن والاهتمام بترابه واستقراره لا يمكن أن يكون إلا في قلوب أبنائه، أولئك الذين ارتبطت أرواحهم بكل حبة رمل فيه، وبكل نخلة نمت على أرضه.
فكيف يمكن لمن لم يعش هذا الارتباط أن يهتم بمصلحة الوطن كما يهتم بها أهله؟
إن الوطن ليس مجرد أرض نعيش عليها، بل هو تاريخ وهوية وذكريات، هو تراث بناه من سبقونا بصبر ومثابرة. في المملكة العربية السعودية، نرى هذا جلياً في مسيرة التوحيد التي قادها الملك عبد العزيز -طيب الله ثراه-، حيث جمع شتات القبائل ووحّد الأرض تحت راية واحدة، راية التوحيد.
لم يكن ذلك عملاً عابراً، بل كان مشروعاً ضخماً استند إلى رؤية وإيمان بأهمية الاستقرار والوحدة.
بعده، جاءت أجيال من الآباء الذين واصلوا البناء، فأقاموا المدن، وشقوا الطرق، وأسسوا المؤسسات، لنعيش نحن اليوم في وطن يُسابق المستقبل نفخر به.
لكن، ومع كل هذا الإرث العظيم، يظهر من حين لآخر من يدّعي الحرص على الوطن، بينما أفعاله تكشف عن نوايا أخرى. هؤلاء هم الذين يحاولون، تحت ستار البناء والإصلاح، أن يهدموا ما شيّده الأجداد والآباء.
إنهم كما يقول المثل ليسوا من تراب هذه الأرض، وبالتالي لا يشعرون بألم خرابها ولا يهتزون لزلزلة أركانها.
قد يأتون بكلمات معسولة ووعود براقة، لكن الحقيقة تظهر في أفعالهم التي تهدف إلى زعزعة الاستقرار وتقويض الوحدة الوطنية التي هي أساس قوتنا.
يا أبناء السعودية، إن الوطن أمانة في أعناقنا، ومن واجبنا أن نحميه من أيادي العابثين.
لا يمكن أن نثق بمن ينظر إلى أرضنا بعين الطمع أو بمن يرى فيها مجرد فرصة لتحقيق مكاسب شخصية. التاريخ يعلمنا أن من لم يتربَ على تراب الوطن، من لم يعش همومه وأفراحه، لا يمكن أن يكون مخلصاً في خدمته.
فكم من أمم سقطت لأنها انخدعت بأصوات منافقة، وكم من حضارات تلاشت لأنها سمحت لغرباء عن هويتها أن يمسكوا بزمام أمرها.
إن اليقظة هي سلاحنا الأول في مواجهة هذه التحديات، فمن الواجب علينا أن نكون على وعي بما يحاك ضد وطننا، سواء من الداخل أو الخارج. الوحدة الوطنية التي ننعم بها اليوم ليست مجانية، بل هي نتاج عقود من الجهد والتضحية.
ومن يحاول أن يشق هذه الوحدة أو يزرع الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، فهو لا يبني بل يهدم، ولا يرفع بل يحطم.
المثل الشامي ينبهنا إلى هذه الحقيقة بأبلغ عبارة: من لم يكن من ترابها، لن يبكي على خرابها، بل قد يفرح به ويستغله لمصلحته.
في المقابل، فإن أبناء الوطن هم من يحملون راية البناء الحقيقي، وهم من يعملون ليل نهار لرفعة المملكة، سواء في الميدان أو المكتب، في المدرسة أو المصنع، وكذلك في وسائل التواصل الاجتماعي لأنهم الجنود الذين يحمون الحدود، والمعلمون الذين يربون الأجيال، والأطباء الذين يعالجون المرضى، والشباب الذين يحلمون بمستقبل أفضل. هؤلاء هم من ترابها، وهم من يهمهم أمرها، لأن الوطن بالنسبة لهم ليس مجرد مكان، بل هو جزء من كيانهم ووجودهم.
لذلك، يا أبناء الوطن، لا تنخدعوا بمن يدّعي البناء وهو في الحقيقة يهدم. تذكروا دائماً أن من لم يعش على هذه الأرض، ولم يشرب من مائها، ولم يتنفس هواءها، لا يمكن أن يحمل لها ما تحملونه من حب ووفاء. كونوا عيناً ساهرة تحمي الوطن، ويداً تبني مستقبله، فقد قال الله تعالى: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ)، والعهد مع الوطن هو عهدٌ مقدس يستحق منا كل الجهد والتضحية.
يبقى المثل الشامي درساً نستلهم منه الحكمة: «اللي مش من ترابها ما يهمه خرابها». فلنحافظ على تراب وطننا، ولنكن نحن من يبنيه ويحميه، فهو ملكنا ونحن أهله، ولا أحد غيرنا يستطيع أن يحمل هذه الأمانة بصدق وإخلاص.