محمد بن عيسى الكنعان
مسلسل شارع الأعشى - الذي عُرض على شاشة أم بي سي خلال رمضان - عمل درامي سعودي مُستوحى من رواية (غراميات شارع الأعشى) للروائية الأستاذة بدرية البشر، وهو يتناول عبر حلقاته الـ(30) قصص حب عُذري لخمس فتيات مراهقات، لكل واحدة منهن قصة مختلفة في طريقتها وأحداثها ونهايتها.
الجميل في المسلسل أنه يُعيدك إلى أحد أحياء الرياض الشعبية في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات الميلادية؛ حيث تدور أحداث المسلسل في شارع الأعشى، وذلك من خلال مشاهد متنوعة، ومظاهر معبرة عن تلك الحقبة قبل أكثر من 45 عامًا، حيث تعكس نمط الحياة، ولباس السكان، وأشكال البيوت من الخارج، وتوزيعها من الداخل، وبساطة المعيشة، وموديلات السيارات، وعادات الأهالي وتقاليدهم في التربية، والضيافة، والزواجات، والعلاقات الاجتماعية، حتى أنك تشعر فعليًا أنك تعيش بتلك الفترة الزمنية، ولعل هذه أبرز النقاط المميزة للمسلسل.
لكن في المقابل، واجه المسلسل نقدًا في بعض منصات التواصل الاجتماعي بحجة أنه يُشوه صورة الفتاة السعودية بكون همها الغزل مع ابن الجيران، أو في شوارع الحارة، أو عند بسطات الحريم بالسوق، وهذا يبدو تصورًا مغلوطًا في حكمه أساسًا، كون فكرة المسلسل المحورية تناقش حياة الفتاة المراهقة، التي تعيش قصة حب في مجتمع محافظ، حيث تحاول التحكم بمشاعرها العاطفية وحماية حلمها العاطفي دون التعدي على العادات الاجتماعية، أو تجاوز التعاليم العائلية، ومن ثم تحاول التعامل مع الظروف الحياتية المحيطة بها لأجل الوصول بهذا الحب إلى بيت الزوجية! لهذا كانت أحداث المسلسل برمتها تدور حول خمس فتيات دخلن بتجارب حب عُذري داخل الحارة؛ انتهت أغلبها بالفشل بسبب عوامل اجتماعية من جهة، ومن جهةٍ أخرى تحول قصة الحب أو الغرام إلى حالة غير واقعية؛ بسبب تأثر الفتاة بالأعمال السينمائية العربية والمجلات الفنية التي رسمت في مخيلتها صورة وردية عن الحب والزواج، حتى إن إحدى الفتيات دخلت في ثلاث قصص حب مختلفة مع (بائع، وطبيب عربي، ومطلوب أمنيًا) كلها انتهت بالفشل من قبل الطرف الآخر، وطبيعة الظروف الاجتماعية. بينما فتاة أخرى استسلمت لقرار العائلة وتزوجت بغير من تحب، الذي سلك طريق الإجرام والإرهاب، وثالثة تحدت عائلتها وتزوجت من أحبها وأحبته رغم اختلاف الجنسية والعادات الاجتماعية.
بشكل عام ليس في المسلسل ما يخدش الحياء، أو حتى يشوه الحياة النجدية، إنما يصور حياة الحيّ (الحارة) بكل تفاصيلها الإيجابية بحسن علاقات الجيرة، والتضامن الاجتماعي، والعطاء الإنساني، أو السلبية بالصدام الذي يحدث بين الشباب المراهقين، أو الناس عمومًا بسبب ضغط الحياة، حتى أن المسلسل سلط الضوء على بعض التصرفات السلبية للمتدينين (المطاوعة) في طريقة الاحتساب، سواءً بالسوق أو داخل الحارة، حتى وصل ذلك الاحتساب إلى الغلو في الدين، والتطرف الذي قاد البعض إلى ممارسة أعمالًا إرهابية في حق البلد والناس، وذلك بمهاجمة الحرم المكي (أحداث الحرم) التي وقعت عام 1400ه (1979م)، غير أن المسلسل أخفق في فضح ذلك الفكر الضال الذي قاد أولئك الشباب إلى السقوط في تلك الفتنة، فضلًا عن اختزاله للأحداث، وتغييره للأماكن المتعلقة بتلك الفئة الضالة.
أما ما يعيب المسلسل فهو الأسلوب الدرامي التركي الواضح، والمتمثل في إطالة الحدث داخل المشهد، أو المبالغة بالمشاهد الصامتة. والغريب أن أحداث الحلقة الأخيرة جاءت سريعة بشكل أظهرت وكأن هناك مقاطع محذوفة، أو أحداث غير مترابطة في سياق رواية المسلسل.