د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
هذا كتاب جليل القدر، هو ثمرة من ثمار البحث العلمي المشرّف لأبناء هذا الوطن المعطاء، هو في أصله رسالة ماجستير لعبدالعزيز بن ردّة الطلحي رحمه الله، تقدم بها إلى قسم الدراسات العليا فرع اللغة بكلية اللغة العربية بجامعة أم القرى، أشرف عليها أ.د. تمام حسان رحمه الله ونوقشت في 26/10/1409هـ -31/05/1989م. ونالها تقدير ممتاز.
وطلب الخفة، أي السعي إلى تيسير العمل وتسهيله مطلب إنساني لجمهرة نشاط الإنسان وعمله منذ وجد على هذه البسيطة، فجمهرة اختراعاته العظيمة كانت في خدمة تيسير عمله لتدبير شؤون حياته وحمايتها، ومن أهم ضروب نشاطه اللغة التي هي سبيل تواصله والتعبير عن أغراضه فنال ظواهرها التخفيف الذي من أوضح شواهده في لغتنا العربية الشريفة اصطفاء جذر ثلاثي ليكون المؤلف لجمهرة ألفاظها، والميل إلى تباعد مخارج أصوات الكلمة الواحدة.
ونجد طلب الخفة علة كثير من التغيرات في الأصوات من إبدال وإعلال وإدغام وحذف ومطل وتحريك وتسكين.
ونجد في كتاب أستاذنا الطلحي رحمه الله بيانًا شافيًا لهذه العلة، إذ جعله في تمهيد وثلاثة فصول وخاتمة، أما التمهيد فتحدث فيه عن (طلب الخفة في دراسات القدماء والمحدثين)، وعقد الفصل الأول لدراسة (ثقل توالي الأمثال)؛ إذ التخلص من التوالي طلب للخفة، وجعل أستاذنا الفصل الثاني لدراسة (ثقل توالي المتنافرات)، وجعل الفصل الثالث عن (طلب الخفة في ظواهر صوتية متفرقة).
وطلب الخفة علة لتفسير الظواهر قديم في النحو العربي، قال أستاذنا في تمهيده (ص33) «وسيبويه يفسّر (يعلّل) بها عددًا من الظواهر اللغوية في مختلف مستويات الدرس اللغوي، ففي المستوى الصوتي كان سيبويه يعلّل كثيرًا من التغييرات الصوتية في الكلمة بالثقل أو الخفة، ويجعل غاية الإدغام، والمضارعة، والمخالفة، والفصل بين الأمثال، والحذف الصوتي الشاذ، وتسهيل الهمزة ... إلخ، طَلَبَ الخِفَّة، أو التماسها». والعرب بهذا سابقين علماء اللغة المحدثين، ذكر أستاذنا في تمهيده (ص 38) أن علماء اللغة المحدثين يسمون (طلب الخفة) قانون السهولة والتيسير، أو الميل إلى الاقتصاد في الجهد العضلي، وهم يَعُدُّون ذلك ترجمة لما يعرف عن الغربيين بواحد من هذه المصطلحات:
1- الميل إلى الاقتصاد Economy tendency
2- المجهود الأدنى Slightest effort
3- قانون الجهد الأقل Law of least effort
قال «وسأستخدم بدلًا من هذه المصطلحات وترجمتها، ترجمةَ مصطلحين أشار عليّ بهما أستاذي الدكتور تمام حسان: أولهما: الاقتصاد اللغوي، وهو ترجمة Linguistic economy، والآخر: الاقتصاد في الجهد، وهو ترجمة Economy of effort».
وختم الكتاب بخاتمة جاء فيها (ص281):
«أولًا: التفريق بين الاقتصاد اللغوي والاقتصاد في الجهد العضلي، وموازاة طلب الخفة بالثاني، وعرض ذلك في دراسات القدماء والمحدثين، والإشارة إلى أن النحاة العرب القدماء أدركوا مفهوم الاقتصاد اللغوي بعمومه، وبالذات ابن جني الذي كان مدركًا لهذا المفهوم إدراكًا كبيرًا، وإن لم يكونوا يفرقون بين الاقتصاد في الجهد (Economy of effort) والاقتصاد اللغوي (Linguistic economy)، غير أن جهد القدماء كان مبعثرًا بين كثير من المسائل اللغوية بالنظر إلى أنهم كانوا يتناولون المسألة بالتعليل والتخريج، ومن ثَمَّ لم يخرج التخفيف عندهم عن كونه علة من العلل النحوية التي يرفضها نقاد النحو قدماء ومُحْدَثين.
ثانيًا: تحديد طلب الخفة وأنه لا يصلح أن يكون تفسيرًا إلا للتغيّر الصوتي في الاستعمال.
ثالثًا: تأكيد نسبيّة الثِّقَل والخفة، وأنهما أمران مُدْركان في التأليف الصوتي، غير أنهما ليسا التفسير الأوحد للمتغيّر الصوتي التاريخي والتركيبي (السياقي).
رابعًا: ربط مسألة الخفة باللبس وانتفاؤها ووجودها مع وجوده وعدمه».
وجدير بهذا الكتاب أن يقرأه علماء اللغة وطلاب الدراسات العليا والمهتمون باللغة.
وجزى الله أستاذنا أ.د. عبدالرحمن حسن العارف خير الجزاء؛ إذ راجع الكتاب وصحَّح تجاربه الطباعية وأعدَّه للنشر، وقد تولى نشره مشكورًا نادي مكة الثقافي الأدبي، وطبعته مؤسسة الانتشار العربي طبعة أولى في 1446هـ/2025م.