أ.د.صالح معيض الغامدي
يمكننا تحديد ثلاثة أنواع لكتابة السيرة الغيرية، من منظورعلاقة الراوي بالشخص المترجَم له، وهي على النحو الآتي:
1- السيرة الغيرية القياسية، وهي السيرة التي تتوافق مع المفهوم التقليدي للسيرة الغيرية، حيث يكون الراوي مراقبًا خارجيًا يجمع المعلومات الواقعية عن حياة المترجَم له ويعرضها.
ويتمثل دور الراوي في هذا النوع في تقديم سرد موضوعي وبحثي جيد، اعتمادا في الغالب على المصادر التاريخية والمقابلات ومصادر ثانوية أخرى، وهذا النوع من السيرة الغيرية معروف على نطاق واسع، ويشكل أساس كتابة أغلب السير الغيرية.
2- السيرة الغيرية الشخصية: وهذا النوع يضفي بُعدًا شخصيًا وذاتيًا على السيرة الغيرية، حيث يشارك الراوي/الكاتب تجاربه وتفاعلاته مع حياة المترجَم له، وهذا من شأنه أن يُضفي عمقًا وحميمية على السرد، إذ يتضمن ملاحظات وحكايات مباشرة يسردها الراوي نفسه.
ومع ذلك، فمن المحتمل أن يدخل في هذا النوع بعض التحيزات، إذ قد يُؤثر منظور الراوي/الكاتب على تصوير المترجَم له.
وربما يعد هذا النوع أقل الأنواع شيوعًا في كتابة السير الغيرية التقليدية، ولكنه يُلاحظ في الأعمال التي تربط المؤلفَ بالمترجَم له علاقةٌ وثيقة (مثل صديق، أو فرد من العائلة، أو زميل …إلخ).
3- السيرة الغيرية التعاونية أو التشاركية: يجمع هذا النوع بين شهادة الراوي الشخصية وشهادات الآخرين حول الشخص المترجَم له، مما يُقدم صورة سيرية أكثر تعاونًا وتنوعًا، وذلك من خلال دمج وجهات نظر متعددة حول حياة المترجَم له.
ويهدف الراوي في هذا النوع إلى تقديم سرد يبدو أكثر شمولًا وتوازنًا.
ويُعد هذا النهج فعالًا بشكل خاص في تصوير تعقيدات حياة المترجَم له وشخصيته، إذ يعتمد على وجهات نظر متنوعة.
ومع ذلك، فإن هذا النوع يتطلب توليفة سردية دقيقة لأحداث حياة المترجَم له وتنسيقا دقيقا للروايات التي قد تكون متضاربة أحيانا.
ولكن، ألا يمكن الجمع بين هذه الأنواع الثلاثة في كتابة سيرة غيرية واحدة؟!
أعتقد أن هذا ممكن من حيث المبدأ، ولكنه ربما يكون صعبا من حيث التنفيذ.
فلا شك أن الجمع بين هذه الأنواع الثلاثة من السيرة الغيرية يُنتج عملاً حيويا وثريا ومتعدد الجوانب، يجذب جمهوراً واسعاً.
فهو يُمكّن الراوي/ الكاتب من تقديم صورة شاملة وجذابة لحياة المترجَم له، يُمزج فيها بين دقة السرد وسرد القصص الشخصي والجماعي.
ومع ذلك، فإن هذا المزج يتطلب تخطيطاً وتنفيذاً دقيقين لضمان تماسك السرد وتوازنه.
وعند تطبيقه بإتقان، يُمكن لهذا النهج المزجي أن يرتقي بالسيرة الغيرية من كونها مجرد سرد بسيط للأحداث إلى كونها استكشافا عميقا لحياة الشخص المترجَم له وتجاربها وتأثيراتها.