فيصل بن عبد الله بن محمد آل سعود
الحمد لله والشكر والامتنان لما قدر المولى - سبحانه وتعالى - وكتب (رسل السلام) رسالة محبة وعطاء ورحمة، نبعت، ثم انتشرت وأوصلت ما تحمله هذه الأرض أرض السلام، وإنسانها من مشاعر إلى من يحتاجها في أي أرض وزمان، ولأي سبب كان. دعوة تواصل، غرد صداها بكلمات من قلب محبّ لأخيه الإنسان، مهما كان أصله أو عرقه أو دينه.
دعوة نبعت من أرض الحرمين الشريفين في وقت كنا أحوج ما نكون إليها ليحملها شباب الأمة، رسالة سلام ومحبة وعون، لا يرجو منها سوى وجهه تعالى خدمة للإنسان والإنسانية.
كان عام 2001م بداية لمفهوم كبير، من إنسان أكبر مكانة أخيه الإنسان وحاجته فوق كل شيء، عندما التقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - رحمه الله - أبناءه الكشافة وممثلي الكشافة العالمية، وشاركهم همومه بما يدور في عالم هم مستقبله، وهم من سيؤسس لمفاهيم سامية تأملها فيهم عندما خاطبهم قائلاً: «أنتم رسل السلام في هذا العالم، وأنتم من ستحققون رسالته».
نبع من هذه الرسالة تبني جمعية الكشافة السعودية لمفهوم «رسل السلام» الذي دشنه ملك السويد كارل جوستاف السادس عشر الرئيس الفخري للصندوق الكشفي العالمي بجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية عام 2011م.
توافق التدشين مع دعوة مجلس إدارة الصندوق وأعضاء زمالة «بادن پاول» من الداعمين للكشافة للاجتماع في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، وبحضور مئات الكشافة العالميين وآلاف السعوديين، وكانت تظاهرة عالمية أسست لهذا المفهوم الكبير.
وتستمر وتتجدد رسالة قيادتنا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وبدعم من سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان من خلال رؤيتنا لتعود هذه الأيام رسالة (رسل السلام)، محلقة إلى موطنها بعد أن هجرها أهلها ومؤسسوها لفترة لم يتوقف تحليقها عالمياً على أكتاف شباب العالم لتوصيل رسالة «رسل السلام» رسالة الإسلام، بل هي رسالة جميع الأديان، فعلى مر العصور ومنذ أن خلق الله الإنسان كان السلام هو الفطرة التي أنعم بها الخالق على عباده البشر على الرغم من اختلاف بيئاتهم وثقافاتهم وحضارتهم، ولغة السلام، هي خطاب إنساني سام ونبيل، يؤسس لمفهوم الحوار والتواصل والعطاء ومساعدة الآخر والوقوف مع المحتاج.
كانت ولادة (رسل السلام) من رحم جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في عام 2011م، حيث وضعت أمام كشافة العالم تحديات تتمثل في : تطوير مهارات الحوار، والعمل من أجل السلام في مجتمعاتهم ، وتبادل المعرفة بين البلدان الأخرى.
وأتذكر عندما حضرت الجامبوري (التجمع الكشفي العالمي) عام 2010م بالسويد وتشرفت بدعوة كريمة من جلالة ملك السويد لتناول طعام الغداء في مقره الصيفي، وبعد أن قدمت لجلالته باسم المملكة العربية السعودية مجسم ساعة مكة المكرمة، ودعوت جلالته لحضور تدشين برنامج (رسل السلام) في المملكة العربية السعودية.
وقد شاركنا عدد من الكشافة العالميين، وعند سؤال أحد الكشافة السويديين: ماذا يعني (It gave us a cause)، لهم برنامج (رسل السلام) كشباب كشفي؟ أجاب وبدون أي تردد قائلاً : لقد أعطانا سبباً الآن وبعد ثلاثة عشرة عامًا وبما يقارب البليونين وسبعمائة مليون (2,700,000,000) ساعة عمل تطوعي و(16,000,000) بستة عشر مليون مشروع، قام بها حوالي (32,000,000) اثنان وثلاثون مليون كشاف، في 187 بلداً ومقاطعة مثل هونغ كونغ، يتردد القول: إنه منذ أن أسس السير (بادن پاول) الحركة الكشفية العالمية، لم يطور ويحرك ويجمع شباب العالم برنامج كبرنامج (رسل السلام).
فالحمد لله والشكر لله - سبحانه وتعالى - أن سخر لهذه الرسالة الصادقة النقية من يحملها بقوة وأمانة وعمل إنساني تطوعي شريف وكريم، ويوصلها لمن هو بحاجتها في أي مكان من عالمنا.
وبما أن هذه الدعوة غرست بذورها في هذا البلد المعطاء، وبما أننا نرى زيادة الدعم من حكومتنا الرشيدة إلى خمسة ملايين دولار (5,000,000) سنوياِ وللأعوام العشرة القادمة - بإذن الله - الذي سيوقع عليه مع ممثلي الكشافة العالمية في مؤتمر مبادرة القدرات البشرية، ويجب أن نحمل مسؤولية استدامتها وتقديم ما في وسعنا لتطوير قدراتها لإيصال رسالتها.
وهنا أرى شقين أساسيين لتدعيم (رسل السلام):
أولاً - بما أنها نبعت من منطقة مكة المكرمة ، وبما أن من مهام الكشاف السعودي التي نفتخر بها هي خدمة زوار وحجاج بيت الله الحرام والمشاعر المقدسة؛ فهنا يجب أن يقام مقرّ دائم ومتطور في منطقة مكة المكرمة؛ لاستضافة كشافة العالم الإسلامي ، وتعريفهم بروح الرسالة الإنسانية التطوعية، ومشاركتهم على أرض الواقع مع زملائهم الكشافة السعوديين مهام خدمة إخوانهم المسلمين والتعرف عليهم، كذلك الاطلاع على ما قامت به دولتنا - أعزّها الله وحماها - من مشاريع عملاقة خدمة لراحة وسلامة إخواننا المسلمين من حجاج ومعتمرين.
ثانياً - لأن مسؤولية الكشاف تتطلب التدريب على المهام التي يقوم بها وتطوير قدراته، فلابدّ من مركز عالمي يُفْسِح المجال لكشافة العالم من التواجد لفترات يتدربون فيها على المهام التي توكل إليهم، كذلك التعرف على بعضهم البعض، وتطوير لغة الحوار فيما بينهم.
وليس هناك أنسب من مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بالتعاون مع مركز الملك سلمان للخدمات الإنسانية ليكون مصدراً للاستفادة من سجل الشباب المتطوع والمتدرب في المركز متى ما كانت الحاجة لهم وفي أي مكان من العالم.
كذلك إقامة صرح يعرِّف العالم بِنَا، ويوصل رسالة (رسل السلام) التي نبعت من أرضنا وبأمل إنساننا.
ختاماً أتوجه بدعوة صادقة إلى قيادتنا الرشيدة وتماشياً مع توجهاتها السامية - مكنها المولى وأعانها - وأخص الزملاء - وفقهم الله - في وزارة التعليم ، بتحول يقودنا إلى رؤية نشارك فيها بناء مستقبل وطن وأمة، رؤية تؤكد على دور مؤسسات المجتمع المدني في مسيرة التنمية المستدامة، وعلينا أن نسارع في إعلان جمعية الكشافة السعودية كجزء من تلك المنظومات.
داعياً الله القدير أن يحقق كل مسعى صادق أمين، يخدم الأهداف النبيلة السامية التي يحملها برنامج (رسل السلام) في إيصال رسالته خدمةً للإنسان والإنسانية.
أسأل الله أن ييسر لنا طريق الفلاح، إنه سميع مجيب.