د. إبراهيم بن جلال فضلون
«على أميركا أن تحقق النجاح في العراق حتى لا يقولوا إن الولايات المتحدة - نمر من ورق - Paper Tiger»، يستعيدها الرئيس الأميركي جورج بوش حرفياً من القائد الثوري الصيني ماوتسي تونغ صاحب «الكتاب الأحمر» عام 1946، قالها بوش في معرض استعراضه لأوضاع بلاد الرافدين.. وكأنها كانت تطارده في كوابيس الأحلام التي تؤرقه في منامه؛ بعد الفشل الذريع الذي لحق بمشروعه «الأممي» الحرب على الإرهاب ونظرية الضربات الوقائية، ومحاربة الإرهابيين والدول الفاشلة على أرضهم حتى لا نضطر لمحاربتهم على أراضيها الأميركية، وكأنه يُريد هنا أن يتركها قنبلة «متكتكة» في يد من خلفه في البيت الأبيض.
إنها عبارة مُثقلة بالمعاني والدلالات التاريخية والعسكرية والدبلوماسية بما تستدعيه من مواقف وسياسات وأقوال وتصريحات حفلت بها حقبة الحروب ولاسيما الباردة، والمرحلة التي دارت بين «الإمبريالية» ووصفها «نيكيتا خروتشوف» أنها وصلت في ذروة الرأسمالية فيما قبل العولمة وبين الاشتراكية بقيادة مدرستي (بكين وموسكو)، رغم اختلافهما في كيفية تطبيق الاشتراكية وطرق المواجهة مع الرأسمالية، وإلحاق الهزيمة النكراء بها، وكلتيهما لم يُحققا أي انتصار، وصارت شعاراً للماويين طوال عقود طويلة، حتى أطلقها ماوتسي، على «الإمبريالية الأميركية نمر من ورق»، فتحت له الصين «أبوابها» من خلال دبلوماسية «البينغ بونغ» خصوصاً في عهد «ماو» الذي استقبل بنفسه ريتشارد نيكسون ووزير خارجيته اللعوب الراحل هنري كيسنجر، ولاسيما بعد هزيمة أميركا النكراء من الفيتناميين، حيث كانت الحرب الباردة في أكثر فصولها سخونة واشتعالاً.. وبعدما لحق بها من هزائم واهتزاز صورتها العنيف منذ الحادي عشر من سبتمبر، والهزيمة الشنعاء في الصومال والإخفاق في أفغانستان والعراق، وانهياراً كاملاً في مشروعها لدمقرطة الشرق الأوسط الكبير، فما دخلت أميركا، وهي على رأس الهرم الدولي وقيادتها المتفردة للعالم، حرباً إلا وكانت خاسرة، حتى حروبها القادمة ومساعدة إسرائيل ستكون أكثر فشلاً في العراق وغزة.. وكلها ممهدة لتسارع انهيار الإمبراطورية الأميركية، بما ألمّ اقتصادها من ديون وعجز كبيرين، كانت الصين أكبر دائن أو مُشتر للسندات الأميركية التي تمنح الأكسجين للاقتصاد الأميركي الذي يتطاول بفرض الجمارك على العالم، دون أن يدري أنها خيوط تدميرية له قبل أن يكون سلباً على العالم.
لقد باتت (أميركا) بلا رصيد سياسي أو أخلاقي أو احترام عبر العالم كله، فحصدت كراهية شعوب العالم لسياساتها الخادعة بإعلام ودبلوماسية تُلازم وتُطبع على كل تصرفاتها ومواقفها. التي أثرت سلباً على كل مناشطها فنراها نمراً من ورق، (اقتصادياً) تقترب فوائد الديون الأمريكية من الرقم القياسي وعبارة (إنه الاقتصاد يا غبي)، فوفقاً لموقع البيانات المالية بوزارة الخزانة الأمريكية، فإن الدين الحكومي للولايات المتحدة حالياً، يعادل ناتج الصين واليابان وألمانيا والهند والمملكة المتحدة مُجتمعة.. وبالتالي حذر صندوق النقد الدولي في أبريل 2024 من أن المستوى القياسي للديون الحكومية الأمريكية يشكل تهديدًا للاستقرار المالي العالمي الذي جاوز دينه الحكومي 36,2 تريليون دولار، لأول مرة على الإطلاق، بعد نحو 4 أشهر منذ لامس 35 تريليون دولار في أواخر يوليو الماضي، ومقارنة بأكثر من 900 مليار دولار قبل أربعة عقود فقط. بعدما سجل 34,006 تريليون دولار في أوائل شهر يناير 2024، ولامس 33 تريليون دولار في سبتمبر 2023 . وخلال عام 2025 سوف يحل موعد دفع ديون أميركية بقيمة 9,2 تريليون دولار، ما يعني أن 25,4 % من الإجمالي من المقرر أن يحل موعد سداده.. ولا ننسى أنه منذ عام 2020، أضافت الولايات المتحدة 11,8 تريليون دولار إلى دينها الوطني، وهو ما يشكل أكثر من ثلث الإجمالي الحالي، فكان الدين الحكومي في عام 2008 أكثر م 9,2 تريليون دولار، وفي عام 1981، تجاوز علامة التريليون دولار لأول مرة، حيث وصل نصيب كل مواطن أميركي من الدين العام يقترب من 99 ألف دولار، ونصيب كل عائلة أميركية من الدين العام يقترب من 280 ألف دولار، مما جعل الدين العام يبلغ أكثر من 7 أضعاف الإيرادات الفدرالية السنوية، بقيمة 125 من الناتج الاقتصادي الأميركي السنوي، وليس أمام واشنطن سوى خيارين، إما الدفع وذلك مستحيلاً كونها (شحاذة ونهابة)، أو إعادة تمويل هذه القروض بفائدة أعلى، وهو خيار مُفضل كعادتها لكن بأي تكلفة.
إن الدولة العظمى ليست إلا أحد أفلام الدعاية الأيديولوجية للرأسمالية التي أثبت اختبارها على الواقع البشري، ورغم أنها لا تزال تمتلك القوة العسكرية الواهية التي ينطبق عليها وصف «عمياء وغبية» كما نطلقها على دول ذات اقتصاديات وثروات وثقافات وإمكانات علمية هائلة ومراكز جذب للاستثمارات والعقول في طريقها إلى الهزيمة ثم الانهيار، على غرار ما حدث لكل الإمبراطوريات عبر التاريخ التي لم يعرف قادتها أن للقوة حدودها وأن إرادة الشعوب أقوى، وأن لا طريق للبقاء على القمة سوى بتطبيق العدالة ونشر الإنسانية واحترام القانون الدولي وثقافات الشعوب وخصوصياتها.. وذلك مجموعه وأكثر في الإسلام ديناً.