د. ناهد باشطح
فاصلة:
«لا شيء أكثر قوة وأمانا في أزمات الحياة من حقيقة بسيطة تقال لغريب»
-تشارلز ديكنز -
* * * * *
بدون أية مقدمات، جلست فتاة بجانبي في صالة انتظار مطار الرياض لتطلب مني بداية أن تترك لدي أغراضها بينما تذهب لشراء القهوة، وعندما عادت ومعها كوب القهوة شكرتني وجلست بجانبي، ثم بدأت تحكي عن قصة غريبة حدثت لها في آخر رحلة جوية لها، ولقائها بشاب قرر أن يتزوجها بعد ساعات من لقائهما لأول مرة على متن الطائرة!!
ثم مضت دون أن تودعني.. فقط تركتني لأسئلة كثيرة تتراقص في عقلي.
لماذا حدثتني الفتاة وكأنني صديقة بينما هي لا تعرفني، وأنا بالنسبة لها من الغرباء؟!
لماذا يحدث لي غالباً، وفي الأماكن العامة أن يحدثني الغرباء بقصصهم ومشكلاتهم الحياتية؟!
في دراسة نُشرت في مجلة الأكاديمية الوطنية للعلوم (PNAS) استنتج الباحثون أن الغرباء أكثر عرضة للثقة إذا كانوا يشبهون شخصًا اكتسب ثقتك سابقًا - وأكثر عرضة لعدم الثقة إذا كانوا يشبهون شخصًا خان ثقتك بهم.
أجرى الفريق تجاربه مرتين ، مع إجراء مسح للدماغ بالرنين المغناطيسي الوظيفي، واكتشفوا أن نشاط اللوزة الدماغية - وهي منطقة في الدماغ مرتبطة بمعالجة التهديد- قد زاد حينما يضطر المشاركون اختيار شخصا غريبا ضمن اللعبة المقترحة في الدراسة.
«إليزابيث فيلبس»، الأستاذة في قسم علم النفس بجامعة نيويورك تؤمن بأننا «نتخذ قرارات بشأن سمعة شخص غريب دون أي معلومات مباشرة أو صريحة عنه بناءً على تشابهه مع الآخرين الذين قابلناهم، حتى عندما لا نكون على دراية بهذا التشابه، هذا يُظهر أن أدمغتنا تستخدم آلية تعلّم تُوجه فيها المعلومات الأخلاقية المُشفرة من التجارب السابقة الخيارات المستقبلية».
تشير هذه النتيجة إلى الطبيعة التكيفية العالية للدماغ، إذ تُظهر أننا نُقيّم الغرباء أخلاقيًا بناءً على تجارب التعلّم السابقة التي مررنا بها.
وفي رأيي أن ارتياح الناس لعدم الحكم عليهم يلعب دوراً في حديثهم عن مشكلاتهم مع الغرباء.
عالم النفس «دًيفيد دانينغ» من جامعة ميشيغان وزملاؤه حددوا أسباباً تدفع البعض للثقة في الغرباء مثل:
-1 إن الثقة بالغرباء تساعد البشر على التعاون في الحياة.
-2 التحيز الإدراكي وتوقع أن نوايا البشر طيبة.
-3 الاعتماد على إشارات سطحية لدى الغريب مثل مظهره المريح أو ملامح وجهه المطمئنة.
-4 يختار البعض الراحة في الثقة بالغرباء دون الشك المكلف نفسيا.
أما إذا كنت مثلي في أنك قبلة الناس الغرباء الذين يلجأون إليك دون مقدمات فعليك أن تعرف أنك مسؤول عن ثقة الغرباء بك؛ لأن لديك طاقة مريحة تشعر الناس بالأمان وتجذب اليك الغرباء، أو أن مهنتك قد تشعر الناس بأنك شخص مؤتمن، لكن هذا لا ينفي مسؤولية الغرباء الذين يثقون فيك دون أن يعرفوك، ذلك لأنهم لا يعرفون كيف يضعون حدوداً مع الآخرين، وهو قرارك أن تعطيهم وقتك أو أن تعتذر عن تنفيذ مهمة الإصغاء والتعاطف مع الغرباء.
المصادر:
- Why Do We Trust, or Not Trust, Strangers? The Answer is Pavlovian, New Psychology Research Finds, NYU University, New York, 2018.
- Nicola Davis, Study reveals why we trust some strangers and not others, The guardian Newspaper, 2018.