صيغة الشمري
هي أصل الحضارات، والحاضر المزدهر، والمستقبل المشرق، تكشف يومًا بعد آخر عن أسرار دفينة في أعماق أرضها، تعيد عبرها رسم ملامح التاريخ الطبيعي والبشري.
بلادي التي كل يوم تثبت أهميتها العالمية، أعلنت مؤخراً عن تمكن فريق دولي من العلماء، بالتعاون مع هيئة التراث السعودية، عن اكتشاف أطول سجل مناخي متصل في العالم، يعود إلى أكثر من 8 ملايين سنة، تم العثور عليه في طبقات رسوبية بمنطقة نفود الدهناء، وهي منطقة صحراوية في الوقت الحاضر، لكن نتائج الدراسة كشفت أنها كانت ذات يوم مروجًا خضراء غنية بالحياة.
ويحمل هذا السجل بصمة دقيقة لتغيرات المناخ عبر ملايين السنين، حيث أظهرت الطبقات الرسوبية المتعاقبة فترات من ازدهار بيئي وأخرى من جفاف، مما يعكس تحولات مناخية كبرى أثّرت على بيئة شبه الجزيرة العربية.
وطبقاً للباحثين فإن هذه التغيرات أسهمت بشكل كبير في تشكيل حركة الكائنات الحية، بما في ذلك البشر الأوائل الذين استخدموا شبه الجزيرة كممر للهجرة من إفريقيا نحو آسيا وأوروبا، كما وُجدت بقايا أدوات حجرية وعظام حيوانات منقرضة في محيط هذه الرواسب، تؤكد أن هذه المنطقة كانت في بعض الفترات بيئة خصبة تدعم الحياة والعيش فيها على أحسن حال.
وتكمُن أهمية هذا الاكتشاف في أنه لا يسلط الضوء على التاريخ الطبيعي للمملكة فحسب، بل يضعها في محط أنظار العالم فيما يخص التغير المناخي، والهجرات البشرية القديمة، والتفاعل بين الإنسان والبيئة، وهو ما تهتم به المملكة منذ أمد بعيد، وتضعه ضمن أولوياتها. وتؤكد نتائج الدراسة التي أجريت مؤخراً أن صحراء الجزيرة العربية لم تكن دائمًا على ما هي عليه اليوم، بل مرت بتحولات كبيرة للغاية جعلت من أرض السعودية سجلًا طبيعيًا حيًا للتاريخ المناخي، مما يعزز دورها كمركز إقليمي وعالمي للبحث في أصل الإنسان، وتاريخ المناخ، والحضارات القديمة. فما يوجد في أرض المملكة حالياً ليس مجرد بقايا آثار، إنما قصص تروى للعالم عن تاريخ عريق حول الحياة في المنطقة.