د. رانيا القرعاوي
في ظل الانخفاض الأخير في أسعار النفط، تتجدد الحاجة إلى تسريع وتيرة التحول نحو مصادر الطاقة المتجددة، وتفعيل دور الإعلام في رفع وعي المجتمع بهذا التحول. فرغم قدرة الاقتصاد السعودي على الصمود، إلا أن التغيرات الراهنة تؤكد أهمية الإعلام كشريك في بناء ثقافة بيئية مستدامة.
منذ إعلان المملكة العربية السعودية عن رؤية 2030، وما تضمنته من أهداف طموحة للوصول إلى مزيج طاقي يشمل 50 % من الطاقة المتجددة و50 % من الغاز الطبيعي بحلول عام 2030، لعبت وسائل الإعلام دورًا محوريًا في تغطية الأخبار ذات الصلة بمستهدفات الرؤية وأهداف البرنامج الوطني للطاقة المتجددة.
وفي هذا السياق، أستحضر نتائج رسالة الماجستير التي أعددتها خلال رحلتي الأكاديمية، والتي كشفت أن أكثر من ثلثي المشاركين يمتلكون مستوى منخفضًا من المعرفة المتعمقة بالطاقة المتجددة. وقد أرجعت الدراسة هذا الضعف في الوعي جزئيًا إلى الطرح الإعلامي السطحي، حيث تفتقر التغطيات إلى التحليل والتفسير، مما يحدّ من قدرة الجمهور على إدراك أهمية التحول الوطني في قطاع الطاقة. ويُعزى ذلك إلى أن العديد من التقارير الصادرة عن الجهات ذات العلاقة تقتصر على الطابع الإخباري والإعلاني، دون التوسع في الأبعاد التفسيرية والتحليلية الضرورية.
هنا تبرز أهمية أن تتبنى الجهات ذات العلاقة بالطاقة، نهجًا إعلاميًا أكثر فاعلية من خلال الاستفادة من نظرية وضع الأجندة (Agenda-Setting Theory)، التي تنص على أن وسائل الإعلام لا تُخبر الناس بما يفكرون فيه، بل تُؤثر على ما يفكرون بشأنه من خلال تسليط الضوء المتكرر على قضايا محددة. وبتطبيق هذا النهج، يمكن توجيه اهتمام الجمهور نحو أهمية الطاقة المتجددة، عبر حملات إعلامية استراتيجية تبرز أبعادها الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، وتأثيرها المباشر في تحقيق مستقبل مستدام.
يلعب الإعلام دورًا محوريًا في دعم هذا التحول من خلال تقديم معلومات موثوقة ومحدثة، وتفسير السياسات المرتبطة برؤية 2030 بأسلوب يسهل على الجمهور العام فهمه. كما يسهم في تصحيح المفاهيم الخاطئة ومواجهة المعلومات المضللة بالحقائق، إضافة إلى تشجيع الممارسات المستدامة عبر تسليط الضوء على نماذج إيجابية، مثل استخدام أنظمة الطاقة الشمسية في المنازل والمبادرات البيئية المجتمعية. وليس من الغريب أن يقول عالم الإعلام مارشال ماكلوهان: «الإعلام هو من يشكّل وعي الإنسان أكثر من أي وقت مضى»، في تأكيد واضح على الدور الحيوي الذي تلعبه وسائل الإعلام في قيادة التغيير المجتمعي.
ولتحقيق تأثير أعمق، تبرز الحاجة إلى تدريب الإعلاميين وتأهيلهم في قضايا الطاقة المتجددة، من خلال تنظيم ورش عمل متخصصة وتوفير مصادر معرفية دقيقة. كما أن إنتاج محتوى نوعي من قبل كوادر إعلامية متخصصة يمكن أن يسهم في توصيل الرسائل بشكل أكثر فاعلية. ولا يقل أهمية عن ذلك إشراك المجتمع من خلال حملات توعوية تفاعلية تُشجع على تبني مبادرات الاستدامة والمشاركة في صناعة الوعي البيئي.
إن تعزيز دور الإعلام في نشر المعرفة بقضايا الطاقة المتجددة يمثل حجر أساس في بناء وعي مجتمعي قادر على دعم التحولات الكبرى التي تقودها المملكة ضمن رؤية 2030. كما يعيد هذا الدور رسم العلاقة بين الإعلام والبيئة، في إطار من التوازن والمسؤولية، تمهيدًا لمستقبل أكثر استدامة ووعيًا.
** **
- باحثة في الإعلام الاستراتيجي متخصصة في قضايا الطاقة وإدارة الاتصال في الأزمات