د.عبدالحفيظ عبدالرحيم محبوب
تشكل الصين سوقا كبيرة لشركة أرامكو، وعنصرا رئيسيا في استراتيجيتها العالمية، حيث تعتبر الصين من أهم وجهات أرامكو الاستثمارية الرئيسية، وتتركز استثمارات أرامكو في فوجيان ولياونيغ وتشجيانغ وتيانجين، وتواصل شركة أرامكو استكشاف فرص جديدة تشمل الطاقة والمواد الكيماوية، وكذلك تطوير التقنية التي تركز عليها شركة أرامكو السعودية لتطير منتجاتها بشكل خاص الكيماوية، لأن خطة الصين الطموحة تركز على النوعية كما هي بحاجة إلى الطاقة كذلك هي بحاجة إلى المواد الكيماوية من خلال الاستثمار في مشاريع عدة بقطاع التكرير والكيماويات والتسويق.
تعتبر الصين أكبر مستهلك ومنتج للبتروكيماويات في العالم، إذ تمثل استهلاك ما يقارب نصف الطلب العالمي على المواد الكيماوية بأكملها، خصوصا وأن بمرور الوقت يتحول الطلب على النفط في الصين من الاستخدام كوقود في النقل للسيارات الصغيرة إلى الاستخدام في صناعة البتروكيماويات بسبب الحاجة المتزايدة إلى البلاستيك والألياف الصناعية وغيرها من المواد المتطورة، سيكون توفير إمدادات موثوقة في ظل أي تحولات محتملة في الطاقة المتجددة والنظيفة، وتود إنتاج مزيدا من المنتجات الكيمائية وتقليل وقود النقل، وتهدف أرامكو إلى امتلاك حصص تتراوح بين 10% و20% في مثل هذه المشاريع، مع تأمين عقود لتوريد حوالي 60% من احتياجات المنشأة من النفط، بما يضمن طلبا طويل الأجل.
خصوصا، بعد تراجع استهلاك النفط على مستوى الصين في 2024، مع دفع الحكومة الصينية شركات التكرير إلى تقليص إنتاج الوقود وزيادة إنتاج البتروكيماويات، بسبب أن إنتاج السيارات الكهربائية أثر سلبا على استهلاك الديزل والبنزين بحسب إفادات بلومبرغ خصوصا وأن المنتجات الكيمائية تدخل في مجالات صناعات الطاقة المستقبلية مثل طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، وصناعة السيارات، والفضاء، والبناء، والتشييد.
تعزز شركة أرامكو طموحها في تحويل 4 ملايين برميل نفط يوميا إلى كيماويات بحلول 2030، لذلك وضعت السعودية حجر الأساس لمشروع ضخم في الصين بالتعاون مع شركة سينويك باستثمارات تصل إلى 10 مليارات دولار، وفي سبتمبر 2024 أبرمت شركة أرامكو اتفاقات مع شركاء صينيين رئيسيين خلال زيارة وفد صيني إلى الرياض برئاسة رئيس الوزراء الصيني لي تشانغ، وفي مارس 2023 وقعت شركة أرامكو عدة اتفاقات للاستحواذ على حصة بنسبة 10 في المائة في شركة رونغشنغ للبتروكيمايوات المحدودة والمدرجة في بورصة شنغن رونغشنغ في مقابل 24.6 مليار يوان صيني ( 3.6 مليار دولار) في صفقة استهدفت زيادة توسيع وجودها بصورة كبيرة في أعمال التكرير والكيماويات والتسويق في الصين، وفي أكتوبر 2024 أوضحت وكالة بلومبيرغ إن شركة أرامكو السعودية اتجهت إلى توجيه بوصلة المشاريع الكيماوية إلى آسيا. خصوصا وأن السعودية تمتلك خبرة طويلة تمتد لأربعة عقود في صناعة البتروكيماويات وتود اليوم أن تكون من أكبر دول العالم في إنتاج البتروكيماويات للحصول على قيمة مضافة بدلا من بيع بترولها الخام خصوصا في ظل توجه العالم نحو التحول إلى الطاقة المتجددة.
تصدر السعودية إلى الصين 1.5 مليون برميل من النفط يوميا، وتشكل الصين عنصرا أساسيا ضمن خطط عملاق النفط السعودي في التوسع بمشاريع البتروكيماويات، وتعتبر الصين أحد الأسواق الرئيسية في العالم ذات القيمة العالية.
تصل نسبة صادرات المواد الكيماوية لنحو 74% من الصادرات غير النفطية للسعودية، لتضعها في المركز الثالث عالميا بعد الصين والولايات المتحدة، وتستحوذ السعودية على أكبر 7 مجمعات بتروكيماوية من 10 مجمعات في الشرق الأوسط من حيث السعة الإنتاجية، يليها مجمع واحد لكل من الإمارات وقطر وإيران. ويبلغ الإنتاج السنوي 118 مليون طن، مرتفع من 85.5 مليون طن سنويا عام 2015 الذي ارتفع بنحو 250% خلال عقد من الزمن.
بعدما كان الإنتاج يتراوح نحو38 مليون طن سنويا في 2005 لإجمالي دول مجلس التعاون الخليجي كانت تستحوذ السعودية على 73 في المائة من إجمالي الإنتاج الخليجي، مرتفعا من 4 ملايين طن لدول مجلس التعاون الخليجي في 1985، فيما بلغ حجم إجمالي انتاج دول مجلس التعاون الخليجي في 2021 نحو 154 مليون طن، صدرت دول مجلس التعاون الخليجي نحو 68.8 مليون طن مع حصة سوقية عالمية 6.7% من إجمالي صناعة البتروكيماويات العالمية، في حين استوردت دول المجلس في نفس السنة نحو 20 مليون طن.
تشكل المنافسة الدولية مستويات غير مسبوقة، لذلك تتجه دول مجلس التعاون إلى عقد اتفاقيات تجارة حرة مع بريطانيا والهند وكوريا الجنوبية وأستراليا والصين والأسواق الرئيسية الأخرى، دورا مهم التحقيق هذا الهدف الحيوي.
تعتبر السعودية من أكبر منتجي البتروكيماويات في العالم، وهو القطاع الذي توليه أهمية في إطار عملية التنويع الاقتصادي، والنمو الاقتصادي، ودعم جهود استقطاب الاستثمارات، وتتوقع جذب نحو 600 مليار دولار استثمارات في البتروكيماويات بحلول 2030، ورفع مستويات كفاءة استخدام الطاقة، حيث تشمل الاستراتيجية السعودية مضاعفة الناتج المحلي الصناعي بنحو 3 مرات، وقد ارتفع الناتج المحلي الصناعي من 392 مليار ريال في 2019 إلى 592 مليار ريال في 2023، بعد ارتفاع الاستثمارات الصناعية 54% بعد الإعفاء من المقابل المالي، ووفق رؤية المملكة أن يصل الناتج الصناعي عام 2030 نحو 895 مليار ريال باستثمارات 1.3 تريليون ريال ومضاعفة قيمة الصادرات الصناعية لتصل إلى 557 مليار ريال، وزيادة صادرات المنتجات التقنية المتقدمة بنحو 6 أضعاف، بالإضافة إلى استحداث عشرات الآلاف من الوظائف النوعية عالية القيمة.
خصوصا بعدما اتجهت الدولة نحو إقرار مجلس الوزراء نظام الموارد البترولية والبتروكيماوية بمثابة خطوة استراتيجية على طريق تعزيز المنظومة التشريعية لقطاع الطاقة في السعودية من أجل أن تلعب دورا في إعادة هيكلة وبناء المنظومة التشريعية التي تتواءم مع المتغيرات الجديدة لقطاع الطاقة، والاستفادة من التجارب العالمية الناجحة وأفضل الممارسات الدولية، بما يسهم في تحقيق الأهداف الوطنية في تطوير هذا القطاع الحيوي، وتعظيم الاستفادة منه من أجل زيادة القدرة التنافسية بين الشركات البتروكيماوية، وبهدف إيجاد بيئة تنافسية عادلة للمستثمرين، وفي نفس الوقت يدعم جهود الدولة في تعزيز أمن الطاقة، سواء للاستخدام المحلي ولتصدير بعض المنتجات والنفط الخام إلى الأسواق العالمية.
** **
- أستاذ الجغرافيا الاقتصادية والسياسية بجامعة أم القرى سابقا