عبدالله إبراهيم الكعيد
الخير والشر نمطان متضادان قد يطغى أحدهما على الآخر لكن من غير الممكن أن يُطفئ أحدهما الآخر كما تُطفأ النار بالماء. الشرير قد لا يرى في أفعاله شراً فتراه يبررها بالدفاع عن النفس مرّة وبرفع الظلم عن غيره مرّات، وفي أحيان كثيرة يبرر الشرير فعله بشكل صريح ومباشر حين يعتقد أنه كي يعيش في عالم لا يعترف إلا بمنطق الشر والقوة لا بد أن يكون شريراً فلا مكان للطيبين من وجهة نظره. في كتاب قصص الأمير مرزبان على لسان الحيوان وردت حكاية الفلاح الذي تصادق مع الثعبان القريب جحره من داره ورغم ما قيل له عن جنون فعلته إلا أن يقينه بأن بعض البشر أشد خطراً من بقية المخلوقات أحياناً وخصوصاً أولئك الذين اتخذوا صفة اللونين في لباس تلوين النفاق. وعندما وجد الفلاح طبيعة ذلك الثعبان غير متلوّن، بل على وتيرة واحدة فحيثما استحضر ماهيته لم ينسبه إلى حقيقة أُخرى غير الثعبانية لذلك تعلّق بذيل صحبته لهذا الاعتبار تحديداً.
باختصار ذهب الرجل ذات يوم حسب عادته فرأى الثعبان قد التفَّ على نفسه من فرط برودة الهواء وبدا ضعيفاً فاقداً للوعي. تحرَّكت داخل الفلاح سوابق الصداقة فأخذ الثعبان ووضعه في زنبيل وعلَّقه في عنق حماره حتى يدفأ من تنفس الحمار وكان قد ربط الحمار وذهب ليحتطب. حينما مضى بعض الوقت وأثر الدفء بالثعبان وعاد إلى طبيعته فاسترد خبث الجبلَّة وشرَّ الطبع والطباع ولدغ الحمار بالسم الزعاف في شفته السفلى فنفق الحمار واختفى الثعبان في الجحر. لم يحرِّضني قلمي على طرح سؤال عن دلالات الحكاية كما كان يُطلب منَّا في اختبار مادة المطالعة بالمرحلة الابتدائية:
(اذكر ما يُستفاد من هذه القصة أو الحديث أو القطعة) لأنني حينما تذكَّرت حكاية الثعبان تلك حتى ورد إلى ذهني فوراً ثعابين بشرية رعيناها (أقصد حكومة وشعب المملكة العربية السعودية) وتبنينا قضاياها وبذلنا كل جهد ممكن كي يعيشوا حياة حُرّة كريمة كبقية البشر إلا أنهم لم يدَّخروا سمّاً في ألسنتهم إلا ونفثوه سعياً وراء تجييش مشاعر الكره والحقد علينا.
صفوة القول:
الفلاَّح فقد حماره بفعل غدر الثعبان، بينما نحن فقدنا الثقة فيمن كنا نعتبرهم بشراً أسوياء حتى تكشَّفت لنا حقيقة ثعبانيتهم وشرّهم المخبوء داخل أرواحهم السوداء.