خالد محمد الدوس
ثقافة المحافظة على البيئة نشأت في كنف الإسلام من خلال بناء المعارف والقدرات والقيم والاتجاهات الأخلاقية والحضارية للأفراد تجاه البيئة بكل عناصرها الأساسية من أرض وتربة وهواء ونبات وغذاء وحيوان، وغير ذلك، ومن خلال تنمية الوعي والإحساس بالمسؤولية لديهم بوجوب المحافظة عليها وعدم استنزافها وعدم هدر مواردها وخيراتها والإساءة إلى الأم الرؤم والصدر الحنون (البيئة) والعبث بمصادرها الحيوية، ولكن الإنسان مع إنه حمل الأمانة إلا أنه كثيرًا ما فرط وقصّر فعاد عليه ذلك بالضرر والتهلكة.!!
ولا شك أن القرآن الكريم قد اهتم بكل ما يساعد في ترسيخ قيم الوعي، وتأصيل أسس التربية من أجل المحافظة على هذا الكون والعناية بالبيئة وجمالها الطبيعي؛ فالإسلام يسلك في سبيل المحافظة على معطيات البيئة أسلوب الترهيب والترغيب والتحذير من العبث بمكونات البيئة، والإفساد فيها وهدر وهدم خيراتها واستنزاف مصادرها المختلفة. فالترهيب والتحذير من تلويثها وانتهاكها والترغيب بالأجر الجزيل والثواب العظيم لمن يحافظ عليها ويهتم بها ويعمل على حماية البيئة من كل ألوان العبث والانتهاك وتلويثها. فالله سبحانه وتعالى خلق البيئة متوازنة في مكوناتها وأرشد الإنسان في ذلك وأمره أن يحرص على ألا يتعدى على البيئة لأن في ذلك إخلالاً بنظامها واتزانها، وأن في هذا الانتهاك والإفساد والتعدي أضرارًا على الإنسان ذاته.. مع أن المؤشرات والتحولات المصاحبة للعالم اليوم تشير إلى أن الواقع البشري أصبح يعاني مشكلات بيئية خطيرة تهدد حياة الجيل الحالي والأجيال المقبلة كاستنزاف الموارد، والتلوث البيئي، وتلوث الماء والهواء والتربة واختلال التوازن البيئي، وتآكل طبقة الأوزون وهي ممارسات جائرة وسلوكيات خاطئة، كان وما زال الإنسان هو السبب الرئيس للانتهاك البيئي، والإفساد في عناصرها ومواردها الطبيعية على مّر السنين..!!
ففي تعاليم السنة النبوية والمواقف المحمدية لسيد البشرية عليه الصلاة والسلام، نجد الكثير من الأحاديث الشريفة التي تأمرنا بالحفاظ على البيئة، وعدم الإسراف والإفساد في الأرض، ولقد شملت رحمة النبي عليه الصلاة والسلام الإنسان والحيوان والنبات والطير، وكذلك شملت البيئة التي نعيش فيها.
وهي نعمة من نعم الخالق العظيم أمرنا سبحانه وتعالى أن نحافظ عليها ولا نفسدها، يقول عز وجل: (وَلا تُطِيعُوا أَمْرَ الْمُسْرِفِينَ * الَّذِينَ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُون). سورة الشعراء(152)، وإذا تأملنا وتدبرنا الكثير من الأحاديث النبوية الشريفة التي تأمرنا بالحفاظ على البيئة وعدم الإسراف في كل شيء لرأينا أن النبي الأعظم عليه الصلاة والسلام كان واحداً من أشد المنادين بحماية البيئة، ويمكن القول إن العصر الذي بعث فيه النبي محمد عليه الصلاة والسلام كانت الجاهلية تسيطر على عقول ووجدان البشر، وكان الناس ينظرون إلى الحيوانات على أنها مخلوقات لا قيمة لها وليس لها مشاعر، ولكن نبي الرحمة عليه الصلاة والسلام أمر بالاهتمام بالمخلوقات حتى سمى أحد الصحابة الأجلاء باسم أبو هريرة تشجيعًا له وتأييدًا لاهتمامه بالقطط والعطف عليها على سبيل المثال، ولذلك استحق سيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم أن يكون رحمة للعالمين؛ فالمتابع للأحاديث التي وردت في السيرة النبوية عن الاستخدام الرشيد للأرض، والمحافظة على الماء وعدم الإسراف به، ومعاملة الحيوانات بالرفق واللين والعناية بالنبات، إماطة الأذى عن الطريق ودرء المفاسد.. إلخ. كأنها مناقشات عصرية حول قضايا البيئة ومشكلاتها، وفي الوقت نفسه تؤصل أهمية المحافظة على البيئة ومواردها الطبيعية.
وامتدادا للاهتمام بالبيئة والحفاظ عليها قامت المملكة العربية السعودية بالتوقيع على العديد من الاتفاقيات والمعاهدات والبروتوكولات الدولية والإقليمية في المجال البيئي التي تمت خلال العقود الماضية؛ وما يدل دلالة واضحة على اهتمامها اهتماماً بالغاً بحماية البيئة من الاعتداءات التي تنال منها.. أحدثها (مشروع التوعية البيئية السعودي) الذي يعد خطوة أساسية لضمان مشاركة المجتمع في تحقيق الاستدامة البيئية ويدعم تحقيق رؤية مملكتنا الطموحة 2030، حيث تهدف المملكة العربية السعودية إلى تعزيز وتعميق الوعي المجتمعي بأهمية الحفاظ على البيئة، وتبني سلوكيات إيجابية تجاه الموارد الطبيعية.
الأمر الذي يظهر وبجلاء اهتمام القيادة الرشيدة –حفظها الله - بالتشريعات البيئية والأنظمة والقوانين التي تضمن حماية البيئة ومكوناتها من التعدي والتخريب والعبث.. وكان من أبرز ما يميز ملامح التجربة الحضارية والتنموية السعودية الحرص على التوازن بين متطلبات التطور والبناء واستيعاب المتغيرات البيئية، خاصة في صورته الصناعية والعمرانية وبين اعتبارات البيئة وتلبية مطالبها وصيانتها من الآثار السلبية للصناعة، واستخدام التقنيات الحديثة التي ثبت آثارها السلبية وانعكاسها على صحة وسلامة البيئة والإنسان.
وأخيراً.. بالرغم من التحديات الكبيرة مثل قضايا التصحر، التغيرات المناخية وغيرها من الظواهر الطبيعية.. تظهر حكومتنا الرشيدة التزاماً واضحاً بالاستدامة البيئية.