اللواء الركن م. سلامة بن هذال بن سعيدان
منذ أن احتل الكيان الصهيوني فلسطين وهو يعمل جاهداً لتنفيذ مخططه المرسوم والتوسع وفقاً لمشروعه المعلوم في المنطقة، بحيث تزداد وتيرة عدوانه والتوسع في استيطانه مهما غلف ذلك بغلاف من الهدوء المرحلي والدعوة إلى السلام.
وفي هذا الزمن الذي يواصل فيه المحتل عربدته في المنطقة ويعمل على تكريس التغيير الديموغرافي في داخل فلسطين والتغيير الجغرافي خارجها بشكل تؤكده الأحداث الجارية في غزة ولبنان وسوريا، واتخاذ إيران ووكلائها ذريعة للاعتداء السافر على الشعب الفلسطيني والتدخل المباشر في دول الجوار.
ونظراً لأن الكيان الصهيوني يعد كياناً قائماً على الاستعمار الاستيطاني والاحتلال العدواني، فإنه في حالة تناقض مع أصحاب الأرض ومحيطه المجاور، إذ إنه منذ أن تأسسس وهو مستمر في سياساته العنصرية وممارساته العدوانية، وأبلغ دليل على ذلك ما حدث ويحدث في قطاع غزة من حرب إبادة جماعية وتدمير للبنى التحتية، وما يعانيه الشعب الفلسطيني الأعزل في الضفة الغربية من أبشع المجازر والزج بأفراده داخل السجون والمعتقلات. واتباع سياسة التغيير الديمغرافي وتهويد الدولة ونظرية المجال الحيوي وذريعة الأمن القومي من جانب الكيان الصهيوني، يقابلها سياسة شد الأطراف من قبل بعض دول الإقليم، كل ذلك على حساب الأمة العربية.
وإذا كان الكيان الصهيوني يعتبر قاعدة متقدمة للقوى الاستعمارية في المنطقة وبالتحديد الولايات المتحدة الأمريكية التي قطعت على نفسها عهداً بحماية الدولة العبرية والدفاع عنها والاستجابة لجميع مطالبها الأمنية والسياسية والاقتصادية، فإن الإدارة الأمريكية الحالية تكيُّفاً مع الموقف الراهن وتنفيذاً للمشروع الصهيوني بدأت بنشر أساطيلها البحرية وحشد قواتها البرية والجوية في أكثر من مكان في المنطقة، والهدف المعلن هو مواصلة الضغط على إيران لتخليها عن برنامجها النووي وتحجيم أذرعها في فلسطين ولبنان والعراق واليمن، بينما الهدف الأساسي هو مناصرة الدولة العبرية من أجل تنفيذ مشروعها الذي يهدف إلى اخضاع الشعب الفلسطيني للتهجير القسري والتطهير العرقي والتوسع خارج الحدود. والمشروعان الأمريكي الاستعماري والصهيوني التوسعي يلتقيان عند تمزيق المنطقة وإعادة تقسيمها بما يخدم النظرة الاستعمارية والمصلحة الصهيونية على نحو ينسجم مع الفكر الصهيوني وأبعاده الدينية والاقتصادية والأمنية والسياسية التي جعلت الصراع الصهيوني الفلسطيني صراعاً معقداً يختلف عن غيره من الصراعات، حيث إنه لم يكن صراعاً على مساحة الحدود وحجم النفوذ فحسب، بل هو صراع على الوجود قبل أن يكون على الأرض والتوسع في الحدود على حساب دول الجوار ذات السياسات الفاشلة والأوضاع المتآكلة.
وقد وجد الكيان الصهيوني في منظمة حماس ذريعته لقتل البشر وتدمير المقر في قطاع غزة والتطلع إلى ممارسة سياسة التهجير القسري والتطهير العرقي في فلسطين ومحيطها، بما يتوافق مع الفكر الصهيوني، كما وجد بغيته في حزب (اللات) الذي أفل نجمه ووجد ضالته في موروث النظام السوري السابق الذي غابت شمسه، وذلك للاعتداءات المتكررة على لبنان وسوريا والتوسع الحدودي على حسابهما.
والتنظيمات والمليشيات العميلة المحسوبة على الأمة العربية التي أنتجتها السنوات العجاف وإستراتيجية شد الأطراف، والانحراف عن طريق الهدى إلى طريق الردى أصبحت تشكل أدوات ضد الأمة، وهي التي هيأت المناخ ووفرت عوامل النجاح للأعداء الذين اتخذوها سلاحا للإيقاع بالعرب وإيصالهم إلى ما وصلوا إليه من الضعف والهوان.
وما يعرف بدول الطوق أصبحت مطوقة من قبل الدولة العبرية التي سنحت لها الفرصة للعبث بأمن لبنان وسوريا علاوة على أنها تعبث بأمن العراق من خلال تحريض الأكراد ضد الدولة المركزية وإثارة الفتن بين السنة والشيعة، توطئة لتنفيذ المشروع الصهيوني المزعوم والمخطط التوسعي المرسوم.
وفي داخل فلسطين تمارس الدولة العبرية صراعها العدواني واستعمارها الاسيتيطاني باعتباره صراعاً وجودياً يتأرجح بين الفناء أو البقاء، مستخدمة الخاصية الإحلالية عن طريق إلغاء السكان وإبادتهم بدلاً من إخضاعهم واستغلالهم، فالتهميش والإلغاء بحق أصحاب الأرض يعتبر عنصراً أساسياً في الفكر الصهيوني ومكوناً من مكوناته العنصرية البغيضة.
وفي ظل الأوضاع الدولية المعقدة والتداعيات الإقليمية المتسارعة التي تنذر باندلاع حرب إقليمية شاملة تستخدم فيها أنواع الأسلحة بما في ذلك الأسلحة ما فوق التقليدية لازال الكيان الصهيوني يصعد المواقف نحو مزاعمه التاريخية ودولته اليهودية الكبرى دون أن يأبه بمعاهدات السلام والقرارت والمواثيق الدولية، متبعاً سياسة إدارة الصراع بدلاً من حله مع الاعتماد على القوة العسكرية وقوة النفوذ الصهيوني ودعم الولايات المتحدة الأمريكية وضعف الجانب الآخر.
وعلى الجانب الآخر فإن السلطة الفلسطينية والدول العربية لاتزال متمسكة بالدعوة إلى السلام العادل من خلال المبادرة العربية وحل الدولتين وضمان التعايش السلمي والحياة الآمنة بالنسبة للجميع مع استبعاد فكرة دولة اليهود الكبرى والمزاعم التاريخية من جانب إسرائيل، واستبعاد فكرة وحدة التراب الفلسطيني الوطني من جانب الطرف الفلسطيني.
ومطلوب من الفصائل الفسلطينية توحيد الكلمة تحت غطاء وطني ونبذ الانقسام والاستعداد للتعامل مع الموقف، كما يتعين على الدول العربية خاصة والدولة الإسلامية عامة الاهتمام بإصلاح الداخل واتخاذ موقف سياسي موحد وتوقع أسوأ الاحتمالات والإعداد والاستعداد على مختلف الأصعدة الأمنية والسياسية والاقتصادية، ودعم صمود الشعب الفلسطيني الذي يحاول استعادة حقوقه المشروعة ومقاومة الظلم والعدوان.