سلمان محمد البحيري
الزمن في حياة الإنسان له قيمة وأهمية كبيرة، وبينهما علاقة ما بين شد وجذب، وهو لا يباع ولا يشترى، وإذا ذهب لا يعود لأنه من عمرنا، ولذلك كان مقياسه بالوقت واخترع الإنسان آلة الساعة لقياس اليوم، وسمى أيام الأسبوع والشهور في السنة، ولذا كان الشعور بالوقت يتفاوت من إنسان لإنسان آخر، ومن حالة إلى حالة أخرى، فالمزارع مثلاً ينتظر وقت البذرة بفارغ الصبر وبعدما يحين يضع البذور في الحقل ويسقيها ينتظر ظهور البراعم واكتمال نمو النباتات وينتظر وقت الحصاد وقطف الثمار ويحسب لذلك من خلال حسابات فلكية متعلقة بالنجوم، وكذلك الطفل يتمنى بأن يمشي الزمن سريعاً ليكبر ويصبح شاباً يافعاً والشاب يتمنى يمشي الزمن سريعاً ليكون رجلاً قوياً والشيخ يتمنى بأن يعود به الزمن إلى الوراء ليعود شاباً، كما أن الإنسان الذي يقضي وقتاً سعيداً مع محب له يشعر بأن الوقت ينقضي سريعاً، ويتمنى لو طال أو عاد هذا الزمن فيتكرر عدة مرات في حياته، وأيضاً المسجون الذي يقضي فترة طويلة من السنوات في سجنه هو يشعر بأن كل ساعة هي بمثابة سنة، وكذلك الحال المريض المصاب بمرض عضال وهو على الفراش بشكل دائم وبرغم وجود التقنية في العصر الحاضر والتي ساعدتنا على تقريب المكان واختصاراً للوقت ولكنها لم تستطع أن تطيل الوقت الجميل أو تعيده، ولا تختصر الوقت الحزين أو المؤلم وجعله لفترة قصيرة جداً، فالزمن لا يلقي بتأثيره على الإنسان فقط بل على الحيوانات والنباتات والحشرات والبكتيريا وحتى الجمادات وكل المخلوقات الضخمة أو التي لا ترى بالعين المجردة سواء التي ترى بالتليسكوب أو بالميكروسكوب، وما يحدث في الحياة من عوامل التعرية مثل الرياح والأعاصير والأمطار والجفاف والبراكين والزلازل والحروب والفصول الأربعة الصيف والشتاء والربيع والخريف، فكل هذه الأمور تحدث بتدبير من الله سبحانه، ولقد جاءت الأديان السماوية لتطمئن الإنسان بألا يقلق من عن عامل الزمن، وقد جاءت قصص في القرآن الكريم تتكلم عن ذلك، وأن الله سبحانه الخالق الأزلي هو المتحكم في الزمن ماضيه وحاضره ومستقبله، لأن ذلك ناموس من خلقه يسري على جميع مخلوقاته حتى الملائكة، ويتضح ذلك لنا في قصة أهل الكهف حيث العبرة بأن الله يحيي ويميت وأنه يتحكم في زمن الإنسان لقوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُم بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهبِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} (18) سورة الكهف، وفي قوله تعالى:{سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَّابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُل رَّبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِم مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاء ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِم مِّنْهُمْ أَحَدًا} (22) سورة الكهف، وقوله تعالى: {وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا} (25) سورة الكهف، وقصة أهل الكهف يقال إنها قد حدثت في العصور الوسطى في زمن الإمبراطور الروماني ديقيانوس وذلك عندما تعرضوا للاضطهاد بسبب إيمانهم بالله وتركهم لعبادة الأوثان فهربوا واختبأوا في كهف وناموا لمدة طويلة تقدر ببضع مئات من السنين وتسع سنوات وعندما أراد الله أن يستيقظوا ويعرف الناس قصتهم للعبرة أرسلوا أحدهم إلى القرية ليحضر لهم الطعام فلاحظ أن معالم القرية قد تغيرت واختلف الناس، كما أن النقود التي يمتلكها لم يعد أحد يستخدمها منذ مئات السنين، فسأله أهل القرية عن قصته فحكى لهم ما قد حدث، وكذلك قصة عزير الرجل الصالح الذي كان حافظاً للتوراة، فبينما كان ماشياً على حماره وكان ماراً على قرية خربة خاوية ليس فيها بشر فوقف متعجباً وقال: {أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} (259) سورة البقرة، فأماته الله مئة عام حيث قبض الله روحه وهو نائم ثم بعثه فاستيقظ عزير من نومه فأرسل الله ملكاً في صورة بشر وقال كم لبثت؟ فأجاب عزير وقال: لبثت يوماً أو بعض يوم أي نمت يوما أو جزءا من يوم فرد الملك وقال: بل لبثت مئة عام ويعقب الملك مشيراً إلى إعجاز الله: {فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ} (259) سورة البقرة، حيث أمره بأن ينظر لطعامه وشرابه الذي ظل بجانبه مئة سنة فرآه كما تركه ولم يعفن ولم يتغير طعمه أو ريحه ثم أشار إلى حماره فرآه قد مات وتحول إلى جلد وعظم ثم بين له الملك السر في ذلك: {وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ} (259) سورة البقرة، وثم يختم كلامه بأمر عجيب: {وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا} (259) سورة البقرة، فنظر عزير للحمار فرأى عظامه تتحرك فتتجمعوتتشكل بشكل حمار ثم بدأ اللحم يكسوها ثم الجلد ثم الشعر فاكتمل الحمار أمام عينيه: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (259) سورة البقرة، ثم خرج إلى القرية التي كان فيها فرآها قد عُمرت واختلف فسأل الناس هل تعرفون عزيرا؟! قالوا نعم نعرفه وقد مات منذ مئة سنة فقال لهم: أنا عزير فأنكروا عليه ذلك ثم جاءوا بعجوز معمرة وسألوها عن أوصافه فوصفته لهم فتأكدوا بأنه عزير فأخذ يعلمهم التوراة ويجددها لهم فبدأ الناس يقبلون عليه وعلى هذا الدين من جديد وأحبوه حباً شديداً ولكنهم قدسوه للإعجاز الذي ظهر فيه حتى وصل تقديسهم له بأن قالوا عنه إنه ابن الله قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ} (30) سورة التوبة، حيث ذكره الله في قوله تعالى: {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّىَ يُحْيِي هَذِهِ اللّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللّهُ مِئَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِّلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (259) سورة البقرة، ولقد تحدث القرآن عن قياس للزمن في مكان آخر حيث إن الروح والملائكة تعرج إلى الله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة مما تعدون، وفي آية أخرى أن اليوم من أيام الله بألف سنة في حساب الناس لقوله تعالى: {وَإِنَّ يَوْمًا عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (47) سورة الحـج، وأن الملائكة المدبرة للأمر من السماء إلى الأرض في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون لقوله تعالى: {يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاء إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} (5) سورة السجدة، ولقد ذكر الرسول- صلى الله عليه وسلم-: (أن بين السماء الدنيا والأرض خمسمائة سنة)، لذلك نزول الملائكة من السماء إلى الأرض ثم عروجها للسماء فتكون ألف سنة لذلك قال بعض الصحابة للرسول- صلى الله عليه وسلم- عن يوم القيامة في يوم كان مقداره خمسين ألفسنة ما أطول هذا اليوم فقال الرسول- صلى الله عليه وسلم-: (والذي نفسي بيده أنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة يصليها في الدنيا)، لذلك الزمان تواؤم للوجود في الكون والكون يتحرك ويتوسع، والزمن مرتبط بالحركة ولو توقفت حركة الكون لانتهى الوجود، لذلك جعل من خصائصه أنه يكون زمانيا مكانيا، وعلى هذا الأساس وضع ألبرت إنشتاين نظريته وسماها النظرية النسبية التي تتكلم عن الزمان والمكان وهي:
زمان الجسم المتحرك = زمانه ثابتاً
مضروباً في الجذر التربيعي 1ناقص مربع الجسم f2
مربع الضوء c2
فلو فرضنا بأن كوكباً يبعد عنا 8 سنوات ضوئية، وقد حدث فيه انفجار فإننا سنرى ذلك الانفجار بعد 8 سنوات وتبلغ مسافة السنة الضوئية حوالي 10تريليونات كيلو متر حيث إن سرعة الضوء 300 ألف كيلو متر في الثانية، أي حوالي مليار كيلو متر لكل ساعة، وهذه النظرية تقول: إن الزمان مرتبط بالمكان فلو تلاشى الزمن لفقد الوجود، فحينما تنطلق رحلة إلى الفضاء فإن الزمان يتباطأ لذلك في حديث الإسراء والمعراج لم تصدق قريش في ذلك الزمان بأن ذلك يحدث لأن الرسول -صلى الله عليه وسلم- قد عاد من حادثة الإسراء والمعراج في نفس الليلة، وكان فراشه دافئاً كأنه لم يغادره، فالمعجزة بأن الله قد جعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- يقطع الكون والسبع الطباق والصفيح الأعلى والأفق السمق حيث قطع مسافات لا تقطع إلا بالبلايين البلايين من السنوات الضوئية بحسب حسابات تقنية الفضاء الحديثة لذلك كانت هذه معجزة من معجزات النبي محمد- صلى الله عليه وسلم- لذا الزمن هو الماضي والحاضر والمستقبل كله موجود في علم الله، وقد حدث لذلك ذكره الله سبحانه في كتابه الكريم عندما تحدث عن يوم القيامة فهو يتكلم عن ذلك بالفعل الماضي، ومعنى أنه قد حدث ومثال ذلك قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا} (99) سورة الكهف، وقوله تعالى: {وَانشَقَّتِ السَّمَاء فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} (16) سورة الحاقة، وقوله تعالى: {وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغَاوِينَ} (91) سورة الشعراء، ولكن بالنسبة لنا كبشر فإن ذلك سيحدث في المستقبل، ولكن الله تحدث عن ذلك بعلمه وأن هذه الأشياء في المستقبل قد حدثت وكذلك قوله تعالى: {وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا} (22) سورة الفجر، {وَجِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} (23) سورة الفجر، لذلك كل شيء خلقه الله يجري عليه الزمان في هذا الوجود والله يتكلم عن المستقبل كماض والرسول -صلى الله عليه وسلم- في حديث الإسراء والمعراج قد رأى جميع الرسل والأنبياء ورأى فرعون في النار ورأى بعض البشر يعذبون فيها ورأى الجنة وبعض من فيها من الصحابة وقد قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (لما أسري بي في الجنة سمعت خشخشة فقلت يا جبريل ما هذه الخشخشة؟ قال هذا بلال قال أبوبكر ليت أم بلال ولدتني وأبو بلال وأنا مثل بلال.
وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال قال الرسول -صلى الله عليه وسلم-: (دخلت الجنة فإذا أنا بقصر من ذهب فقلت لمن هذا فقالوا لرجل من قريش فظننت أنه لي فقلت من قيل عمر بن الخطاب فذكرت غيرته فوليت مدبراً فبكى عمر وقال أعليك أغار يا رسول الله) لذلك لدينا فارق في الزمن حتى ونحن في الأرض فمثلاً هناك فارق في التوقيت بين بعض الدول فعندما تكون في السعودية الساعة 7م يوم الأربعاء فهي تكون الساعة 12م يوم الأربعاء في أمريكا، وعندما تكون الساعة 7م يوم الأربعاء في السعودية تكون الساعة 1ص يوم الخميس في اليابان، لذلك لا تندب حظك على فقدانك للوقت أو طول الوقت فاستغل هذا الوقت القصير في هذه الحياة الفانية من عمرك بأشياء مفيدة لك بالعمل الصالح وبالعلم والعمل المثمر لكي يطرح الله لك البركة في وقتك وصحتك وعلمك وعملك لكي تنجز الكثير في وقت وجيز لكي يستثمره الله لك في الدنيا وبعالم البرزخ والخلود ويصرف الله عنك القلق والحسرة على ما فات، وتشعر بأنك قد تركت في حياتك وفي مجتمعك بصمة وأثرا يصلك في حياتك هناك، ولكي تشعر بأن لحياتك معنى وبأن الحياة جميلة تستحق أن تعاش.