د. إبراهيم الشمسان أبو أوس
ناولني نسخة من هذا الكتاب الصديق النبيل ذو الخلق العظيم الدكتور إبراهيم بن عبدالرحمن التركي العمرو، كان أول ما لفت انتباهي هذا الطباق في العنوان (الظلّ) و(المضيء)، فلمّا أشرت إلى صنيع ملك البديع بادر إلى تفسير ذلك، وهو ما نجده مسطرًا في الكتاب نفسه ص18، حين ذكر في تقديم الكتاب الذي محوره هو (عبدالرحمن بن إبراهيم بن صالح البطحي) قصته، قال «صاحبها، عبد الرحمن بن إبراهيم البطحى، الشاعر الذي أنكر شاعريته، والفيلسوف الذي لم يعترف بأنه أقدم بقوة على فعل الفلسفة، والمؤرخ الذي لم يصف نفسه بالمؤرخ.
في حين كان مرجعًا لباحثي التاريخ، والنسّابة البارع الذي لم تتوقف رحلاته في دروب الصحراء ومضارب القبائل، متحرّيًا للأحداث والأعراق، والمربي الذي خرّج للوطن أجيالًا سقاها بيديه عشق الأوطان، من دون ضجيج، وبزهد في الأضواء، كأنها خطرٌ على الإنسان الذي داخله والذي وصفه بأنه «ظله»، وعلل دائمًا ابتعاده عن الأضواء، بقوله «لا أحب أن أفارق ظلي»، لكن الموت الذي غيب عبدالرحمن البطحي، حال بين الرجل وظله، بعد رحلة طويلة لم يفترقا على مدار فصولها».
فلا غرو أن يكون هذا الظلّ مضيئًا قلوب من عرفوه وعقولهم.
يأتي هذا الكتاب علامة في تسجيل سيرة هذا الرجل العظيم؛ ولولا هذا الكتاب ما عرفته وما عرفه كثير من الناس غيري، ولا عجب أن يكتب د. عبدالله مناع (البطحي: رمز عنيزة عاش مجهولًا ومات مجهولًا).
هيأ الله لسيرة هذا الرجل العظيم رجلًا غَيريًّا هو سادن الثقافة والفكر الدكتور إبراهيم التركي (ملك البديع)، فجد في أن يلملم أجزاء متفرقة منها، وأن يخصص لذلك عددًا كاملًا من مجلة الجزيرة الثقافية، نشر ذلك بُعيد وفاة الأستاذ البطحي وكان العنوان (سبعون) وهي مدة حياة الرجل رحمه الله (1358-1427هـ).
على الرغم من أهمية الموضوع وجدارته بالنشر لم يسْلم صديقنا الدكتور التركي من اللوم، ذكر في ص14 ما ناله من لوم لتخصيص عدد من المجلة الثقافية عن شخصية لا يعرفها إلا القلة لأن جهوده وعلمه وفكره كان شفهيًّا وقيل ما قيل عن ممالأة أهل مدينته عنيزة؛ ولكنهم تراجعوا بعد ما فاضت الصحف والمجلات والوسائط الرقمية بما قيل عنه، قالتها شخصيات ثقافية سعودية وعربية وأجنبية فأيقنوا أن عدم رؤية شيء تأذن بالجهل لكنها لا تغفر التجهيل. ونلحظ هنا براعة الجناس.
جاء الكتاب في 356 صفحة، ضم سبعة فصول عالجت جوانب من حياة البطحي وأخباره، وجاء الفصل الأخير ص149 ليضم جمهرة ما كتب عنه، منها جملة كتابات الأستاذ محمد عبدالرزاق القشعمي الذي وصف البطحي بأنه (القاموس المفتوح)، وما كتبه محمد عبدالله السيف عن سيرته ومسيرته، وما كتبه الدكتور أبو يزن عن التأريخ الشفهي وحكايات السعدي ومجلس البطحي، هذا المجلس الذي جعل أستاذنا أ.د. عبدالله الغذامي يسمي البطحي (سيّد المجالس)؛ ولذلك لا غرو أن قال الأستاذ عبدالكريم الجهيمان عن البطحي (ليس فقيد عنيزة وحدها)، ويشهد لذلك أن مسيرته (مسيرة عطاء بلا حدود) كما قال د.خالد حسين البياري، وكيف لا وهو علم ولكنه (علم في رأسه نور) حسب تعبير أ.د. عبدالله بن عبدالرحمن الربعي، ولأنه علم عمد د.عبدالعزيز بن صالح الشبل إلى (قراءة في فكر البطحي التاريخي).
وليس من السهل الإشارة إلى كل ما كتب، غير أن هذا الفصل ختم بكتابة رائعة مشرقة كتبها يزن بن إبراهيم التركي (تعلمتُ في مجلسه ما أضاء مساحات في ذهني) وهذا الشبل من ذاك الأسد، ولا عجب أن أضاء مجلس البطحي ذهن يزن أوليس هو (الظلُّ المضيء).