علي حسين (السعلي)
يقول الروائي فرانز كافكا:
«لقد شعرتُ بالخجل من نفسي عندما أدركت أن الحياة عبارة عن حفلة تنكُرية حضرتها بوجهي الحقيقي».
لا أعلم لماذا تذكرت هذه العبارة وأنا في منتدى عبقر بنادي جدة الأدبي؟!
وكأني أسير بقوله نسخا:
«لقد أحسست بالندم من نفسي حين علمت أن المشهد الثقافي مجرد عُرْس الرجال همهم: هل تجمّل العريس في العشاء، وزفّة العروسة أغاظت النساء؟!»
ما الذي يجعل منتدى بنادٍ أدبي بعد تحوله إلى مجال غير ربحي يقاوم السقوط إلى الآن، ثلاثة عشر عاما وعبقر لا تزال جذوره ممتدة في باطن الثقافة، وعوده صلب بالأدب وأوراقه خضراء مورقة بالشِعْر؟
هذه الأسئلة وغيرها دارت في رأسي أثناء حضور فعالية معايدة أدبي جدة من خلال منتدى عبقر الشعري، وكذلك احتفالا بيوم الشعر العربي، وأقول يا الله كل هؤلاء المثقفين والأدباء وثلّة من الإعلاميين حضروا هنا، وأسأل نفسي: هل كل هذا الجمع أتوا حبا في عبقر أم في الشعر أم في ارتشاف قهوة الثقافة على طاولات أدبي جدة، ما الذي أغراهم وغالبيتهم ليسوا من جدة بل فرادى وجماعات من خارجها؟
وأضع مقارنة بين حضور طرفي المقاهي الثقافية وأدبي جدة ويرجع صدى هذه المقارنة بالطبع خاسرة لصالح منتدى عبقر!
حين أراهم يلقون شاعرا تلو شاعرة وكأنهم في مسابقة مَنْ سيربح تصفيق الحضور، الحروف تخرج من فيهم معطرة بحب الوطن كنص محمد سيدي وآخر سياسي متزن كنص الطيب برير في دبلوماسي، وأخرى تلقي عن تفوق النساء ومحدثكم عن أناته ووجع الأيام والشاعر محمد خضر عريف الذي ألقى شعرا عن الوفاء في رثاء الدكتور أشرف سالم - رحمه الله- الذي لم يفوّت أمسية أو لقاء لعبقر الشعر، عالم مجنون هؤلاء الشعراء وكأنهم خرجوا من عبقر شعراء، وعادوا يحتفلون به شِعْرا، كنت أستمع لشاعرة منى الغامدي وهي تلقي، وقفت مندهشا لجمال اللآلئ التي تفوّهت بها، أطربت الحضور وهكذا تسمع جواهر ثمينة من أكثر من عشرين شاعرا وشاعرة في ليلة واحدة، كنت متمنيا حضور قناة فضائية أو على الأقل تلفازنا السعودي ليشاهد جمال شعرائنا السعوديين وهم يحتفلون بيومهم العالمي بأدبي جدة!
شاهدت من بعيد مدير فنون جدة محمد آل صبيح حاضرا مبتسما في توأمة نادرة بين نادٍ وفنون أن يلتقيا أصلا لكن رجل بقامة البرفيسور عبد الله بن عويقل السلمي وقيمة شاعر وإداري ناجح كمحمد آل صبيح قهرا المستحيل وطوّعا الأمسيات والندوات واللقاءات بينهما، وكأنهما مبنى واحد وخطة واحدة ونجاح واحد!
عندما أرى قسمات الشعراء وهم/ هن يلقون على منبر عبقر كأنهم زفوّا في ليلة العمر ، مما أدهشني ذاك الحضور الكمي والنوعي وهم/هن يستمعون للشعر وأقول بيني وبين نفسي الحمد لله لا يزال الشعر بألف خير!
شاهدته من بعيد وهو قابع على كرسيه ضاحكا مبتسما، أعرفه إنه الأديب غيّاث صديق عبقر سلمت عليه بحرارة، وقلت له: رحم الله الدكتور أشرف سالم كنتما توأمين في كل اللقاءات، تركته حزينا أني أبدلت ابتسامته ذكرى لكلينا!
نعود الآن للأسئلة التي طرحتها في مقدمة مقالي، وتأتي الإجابة واضحة كوضوح الشمس في كبد السماء.
مفصلة في أربعة أسباب تفوق فيها منتدى عبقر ولم يزل، وهي:
- عبد العزيز الشريف، مديرا ومنظما ومشرفا وهو شاعر وإعلامي قدير.
- خالد الكديسي، نائب منتدى عبقر خطة واختيارا وتنوعا ومعرفة بوسطنا الثقافي وهو شاعر وأديب.
- قيمة منتدى عبقر لدى كل الشعراء في أغلب مناطق ومدن مملكتنا الحبيبة فالبعض يتوسط حتى يشارك في هذا المنتدى.
- الجمهور الواعي والعاشق لعبقر منذ البدء حتى الآن.
سطر وفاصلة
حين أحضر صدفة من تلقاء نفسي لبعض الفعاليات الثقافية التي تقيمها بعض المقاهي الثقافية هنا بجدة أبتسم مقارنة بحضور روّاد منتدى عبقر الشعري بنادي جدة الأدبي، وأسأل ما فائدة بعض هذه المقاهي الثقافية والحضور يقترب من عدد الأصابع في اليد الواحدة؟
غير أني أستثني ،من وجهة نظري، مقهى ميرا بمحافظة بيشة؛ فالحضور هناك فاق كل التوقعات، ولعل المدن الرئيسية كالرياض وجدة والمنطقة الشرقية الحضور ربما قليل مقارنة بالمحافظات، أو لعلي أقترح على هيئة الأدب والنشر والترجمة أن تتعاون مع بعض الأندية الأدبية كمنتدى عبقر الشعري، على سبيل المثال في استغلال نجاحاتهم وتقيم توأمة معهم وتشجيعهم ماديا ومعنويا.. دمتم في سلام ووئام وكل خير.