سهم بن ضاوي الدعجاني
عندما توجت مؤسسة الملك فيصل الخيرية من قبل صاحب السمو الأمير بدر بن عبدالله بن فرحان آل سعود وزير الثقافة قبل عام بجائزة المؤسسات الثقافية لمسار القطاع غير الربحي في الدورة الرابعة من مبادرة .
تعود فكرة الجوائز العالمية في العصر الحديث إلى نحو أكثر من قرن و20 عاماً، حينما أطلق ألفرد نوبل جائزته الشهيرة عام 1901، التي ما زالت مستمرة وتمنح في مختلف المجالات، ولعل الجوائز التي تقدمها الدول الإسلامية للعالم قليلة مقارنة بتلك التي تمنحها الدول الغربية، ومع ذلك تمكنت بعض المؤسسات والدول من تأسيس جوائز «إسلامية» عالمية لها حضورها الفاعل، والمقصود بالجوائز الإسلامية تلك التي تهتم بالمبدعين الذين أثروا الحقل المعرفي في الدين الإسلامي، وعملوا على خدمة «الدين العالمي»، سواء بالفكر، أو الكتابة والتأليف، أو الأدب، أو الأعمال الخيرية وغير ذلك.
ولاشك أن سجل جائزة الملك فيصل العالمية المتميز في تعزيز مقدرات الإبداع العربي، بالإضافة إلى مكانتها الرائدة في الأوساط الأكاديمية والعلمية الدولية كإحدى أبرز الجوائز العالمية في تحفيز الإبداع العلمي، بهدف تحسين جودة حياة البشر، تمتلك الجائزة أيضاً تاريخاً مشرفاً يمتد إلى 46 عاماً من الاحتفاء بالعقول العربية المبدعة، وتشجيع الابتكار العربي للمساهمة في إثراء حياة الأفراد، حيث كرمت الجائزة حتى اليوم 295 شخصيات ومؤسسات عربية منذ انطلاقها قبل 46 عاماً، لتكون بذلك من أهم المنصات الدولية الرائدة التي تقدر الإبداعات والإنجازات العربية وتضعها في بؤرة الاهتمام الدولي.
سجلت جائزة «الملك فيصل العالمية» حضوراً بارزاً ما زال مستمراً إلى اليوم، في ملئها لفراغ استمر طويلاً، باعتبارها أول جائزة تعنى بتكريم العلماء والمفكرين والمؤثرين في عموم العالم الإسلامي، إلا أنها قد حققت خلال السنوات القليلة الماضية حضوراً عالميا واكب رؤيتها العالمية، مما أبهر الباحثين والمؤسسات العلمية، ومن ذلك الحضور والتوسع والتنوع أن كان الفائز بالجائزة فرع اللغة العربية باحث غير عربي، والفائز بالجائزة فرع الدراسات الإسلامية باحث غير مسلم، تلك الجائزة التي تقدمها مؤسسة الملك فيصل الخيرية سنوياً منذ عام 1979 م التي كانت ومازالت أنموذجاً سعودياً متميزاً، في كيفية تعزيز «العمل على خدمة الإسلام والمسلمين في المجالات الفكرية والعلمية والعملية، وتحقيق النفع العام لهم في حاضرهم ومستقبلهم، والتقدم نحو ميادين الحضارة للمشاركة فيها ولتأصيل القيم والمثل الإسلامية في الحياة الاجتماعية وإبرازها للعالم وأيضاً للإسهام في تقدم البشرية وإثراء الفكر الإنساني، وهنا أتذكر قول البروفيسور جوزيف ناي: «القدرة على الجاذبية التي تقود غالباً إلى الرضا»، وهذا بالفعل ما تمارسه هذه الجائزة العالمية على طريقتها السعودية تلك الطريقة الرصينة العادلة والمنصفة؛ مما أكسبها حضوراً عالمياً وجاذبية مميزة في الأوساط العلمية والأكاديمية، إنها خارطة الحضور السعودي المعتدل في أصقاع المعمورة من خلال مكافأة الأفراد والمؤسسات على إنجازاتهم الفريدة في خمسة فروع مختلفة هي: خدمة الإسلام، الدراسات الإسلامية، اللغة العربية والأدب، الطب، والعلوم.
تهدف الجائزة إلى خدمة المسلمين في حاضرهم ومستقبلهم وحثهم على المشاركة في كل ميادين الحضارة، بل والإنسانية في شتى بقاع الأرض، هادفة إلى إثراء الفكر الإنساني والمساهمة في تقدم البشرية وتحقيق مبادئ جودة الحياة من منظور أكثر شمولية وإنصافاً ونزاهة، والعمل على خدمة الإسلام والمسلمين في المجالات الفكرية والعلمية والعملية، وتحقيق النفع العام للمسلمين في حاضرهم ومستقبلهم، والتقدّم بهم نحو ميادين الحضارة للمشاركة فيها، وتأصيل المثل والقيم الإسلامية في الحياة الاجتماعية وإبرازها للعالم، والإسهام في تقدم البشرية وإثراء الفكر الإنساني.
لقد أنفقت المؤسسة منذ إنشائها أكثر من 2,4 مليار ريال سعودي لدعم ركائزها المساندة ومشاريعها الخيرية ومنحها الدراسية، وحينما يحصل أكثر من واحد وعشرين فائزاً بجائزة الملك فيصل العالمية على مدار السنوات الماضية عندما يحصل هؤلاء العلماء الفائزون بها على جائزة نوبل العالمية في مختلف فروعها، لا شك أن هذه إشارة مهمة على مهنية الجائزة وعلو شأنها، بل إن هذا اعتراف كبير بقدرة جائزة عربية على الحضور العالمي، لتكون جسراً لأهم جائزة أدبية وعلمية في العالم، خاصة وجائزة الملك فيصل العالمية تحظى بشرف أن تكون احتفاليتها السنوية برعاية وحضور خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - مما يؤكد بشكل واضح انفتاح صانع قرار الجائزة على العمل الإنساني، وانفتاحه على سعي الجائزة لترسيخ المبادئ السمحة للدين الإسلامي وتعزيز البحث العلمي لخدمة البشرية.
أخيراً.. ما زالت الجائزة تحصد سمعة عالمية عاماً بعد عام لتنوع فروعها ومجالاتها، ودورها المحوري في الارتقاء بحياة الإنسان وجودتها، وإثراء الحركة الفكرية النقدية والعلمية، بمتابعة جادة وواعية بظروف المرحلة من الأمين العام لجائزة الملك فيصل الأكاديمي والمثقف المعروف الدكتور عبدالعزيز السبيل، مما يؤكد أن هذه الجائزة مازالت منذ قرابة 46 عاماً وهي تكرس الحضور العالمي للمملكة وفق مستهدفات رؤية 2030 لتعزيز صورة السعودية العظمى بشكل يتناغم مع ظروف التحولات التأريخية التي يمر بها العالم اليوم.