د. ناهد باشطح
فاصلة:
«الصحافة اليوم تشبه الفن.. من يعتقد أنها انتهت لا يفهم أنها تتحول ولا تختفي» - توماس فريدمان، صحفي أمريكي -
*****
إذا افترضنا أن الصحافة ماتت فمن الذي قتلها؟ هل هي الإعلانات أم مواقع التواصل الاجتماعي؟
مع كل تقرير جديد عن إغلاق مطبوعة شهيرة، وفي كل مناسبة يتحدث الناس أن الصحافة لم تعد موجودة وأن المشهد بالكامل لمواقع التواصل الاجتماعي فاضطرُ إلى الصمت لأن الذين يحكمون بذلك هم بعيدون عن كواليس المشهد.
الأزمة عالمية، وتراجع عائدات الإعلانات، والضغط المستمر للانتقال إلى العالم الرقمي، غيَّر المشهد تماماً، لكن الصحف الناجحة عالمياً ما زالت تحاول التكيُّف، حيث تبث مباشرةً على فيسبوك ويوتيوب، وتنشر مقاطع فيديو قصيرة على إنستغرام، وتدير نقاشات مباشرة، وتظل الثقة والموضوعية والاحترافية من أبرز نقاط قوتهم.
وماذا عنا نحن الصحافيين هل نعتبر مواقع التواصل الاجتماعي عدوّاً للصحافة؟ أم أنّها أعادت توزيع السلطة والمعلومة وصاغت إعلامًا جديدًا لا يعترف بالحدود التقليدية!
هل سرقت مواقع التواصل الاجتماعي جمهور الصحافة، أم أعادت تشكيل توقعاته، فالمتلقي اليوم لا يريد فقط أن يقرأ، بل أن يتفاعل ويشارك ويؤثِّر، وهذا ما لم تكن الصحافة التقليدية مهيّأة له مع وجود الرقابة! لا يمكن اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي بديلاً عن الصحافة مهما سيطرت على المشهد، فهي تعجّ بالشائعات، وتعتمد على الوجبة السريعة لا الوجبة المتكاملة، لكنها على عكس أعمال الصحف والتلفزيون، تُعدّ تجارةً قائمةً على جذب الانتباه، دون تكبّد تكاليف إنشاء المحتوى الذي يجذب الانتباه.
جوهر الصحافة، التحقق والتدقيق وطرح الأسئلة لذلك لن تموت، لو أدركت أن العالم تغيّر ولا بد من التكيّف مع التغيير وهذا ما فعلته صحف عالمية أعادت بناء نموذج عملها عبر النشرات الرقمية، والبودكاست، والمحتوى التفاعلي، ونجحت في اجتذاب شريحة جديدة من القراء الذين يستهلكون الخبر بطريقة مرئية، مختصرة، وسريعة.
أما في عالمنا العربي، فالمعادلة لم تُحسم بعد. ونحن الصحفيون ما زلنا نخشى أن نضع قدماً في «تيك توك» أو «إنستغرام» لذلك اتجه بعضنا إلى نشر إبداعاته أو يومياته لكننا لم نصنع محتوى يمكن أن يدر الأرباح، بينما صانعو المحتوى الذين لم يمارسوا الصحافة يوماً يستثمرون في كل دقيقة، ويحوّلون كل تفاعل إلى فرصة ربح وانتشار.
لا يمكن لنا إدانة مواقع التواصل الاجتماعي؟ فقد استطاعت جذب الجمهور رغم ندرة جديتها وجعلته شريكاً في صناعة المعنى.
نحن المسؤولون عن بقاء ضوء مهنتنا.
ماذا لو اقتربنا من لغة مواقع التواصل الاجتماعي واستعدنا فيها دور الصحافة الجادة؟
ماذا لو تعايشت الصحافة مع منصات التواصل الاجتماعي واستخدمتها كأداة لتوفير المزيد من الموثوقية والثقة في الأخبار الصحفية! علينا استثمار ميزة منصات التواصل الاجتماعي التي تتيح للآخرين التعليق على الأخبار ونقد المقالات، مما يمنحهم صوتًا وتفاعلاً وهو أمر لم تكن تسمح به الصحافة التقليدية.
علينا محو الأمية الإعلامية لتثقيف الجمهور حول تقييم مصادر الأخبار الموثوقة وكشف المعلومات المضللة. علينا إحداث شراكات بين الصحفيين التقليديين وصحفيي وسائل التواصل الاجتماعي لتحسين التغطية الإخبارية وعمليات التحقق.
علينا عمل الكثير فالصحافة قادرة على الحفاظ على ثقة الجمهور لمصداقيتها لذلك لن تموت.
المصادر:
-anya.yang, is social media killing journalism, the-two-coexist, 2023.
-Victor Otieno, Has Social Media Killed Traditional Journalism, medium.com, 2025.