د. طارق بن محمد بن حزام
الاختلاف في الفكر والرأي سنة كونية وسمة من سمات الحراك العلمي والثقافي في كل مجتمع، والمسلمون عبر تاريخهم لم يكونوا استثناءً من هذه القاعدة. بل كانت الردود الفكرية بين المسلمين ظاهرة قديمة متجددة، تنشأ مع ظهور الاختلافات في الفهم والتأويل والمواقف، الفكرية وهي جزء من الحراك العلمي والثقافي داخل الأمة. حتى أصبحت الردود الفكرية جزءًا من تطور العلوم الشرعية والفكرية، وساهمت في بلورة كثير من المفاهيم وتوضيح الحقائق.
والسؤال المهم: كيف نوازن بين النقد البنّاء وتجنب الصراع؟
أولاً وقبل الإجابة على السؤال يجب أن نعلم أن هذه الردود تنقسم إلى نوعين رئيسين: الردود النقدية البنّاءة والردود الجدلية الصراعية، ولكل منهما آثاره وانعكاساته.
أولًا: الردود النقدية البنّاءة وهي التي تنطلق من مبدأ البحث عن الحقيقة، وتقوم على أسس، علمية رصينة حيث تتسم بما يلي:
- الالتزام بالمنهج العلمي: عبر الاعتماد على الأدلة الشرعية والعقلية، والاحتكام إلى الأصول والقواعد.
- الموضوعية والإنصاف: إذ يحرص أصحابها على فهم رأي المخالف بشكل دقيق قبل الرد عليه ويتجنبون التحيز أو التحامل.
- الهدف الإصلاحي: حيث يكون الغرض هو التصحيح والإرشاد، وليس مجرد الانتصار للرأي أو الشخص.
- الاحترام والأدب في الحديث: وهو نهج العلماء الكبار الذين كانوا يناقشون المخالفين دون إسقاط أو تجريح.
ثانيًا: الردود الجدلية
من قوله: {مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ}، وهذا النوع الذي يغلب عليه الجدال العقيم والصراع الشخصي ومن صفاتها ما يلي:
- غياب الدليل والمنهجية.
- التعصب للرأي.
- الاستهزاء والتجريح: حيث يتم التركيز على شخص المخالف بدلاً من مناقشة أفكاره ومع تطور وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي أصبحت هذه الردود أكثر انتشارًا، مما أدى إلى زيادة حدة الصراعات والاستقطاب داخل المجتمعات الإسلامية. والسؤال كيف نوازن بين النقد البنّاء وتجنب الصراع؟
لتحقيق توازن صحي في الردود الفكرية داخل الأمة الإسلامية، يمكن اتباع بعض المبادئ:
1- ترسيخ ثقافة الحِوَار الحديث القائمة على الاحترام والاستماع الجيد للمخالف.
2- الالتزام بالعلمية وعدم التسرع في إطلاق الأحكام أو الاعتماد على الشائعات.
3- إحياء أدب الخلاف كما كان عند العلماء الكبار، الذين اختلفوا ولكنهم بقوا متحابين.
4- تجنب الشخصنة والتجريح.
وختاماً..
الردود الفكرية ضرورة شرعية وعلميّة، لكنها قد تكون أداة إصلاح وتطوير، أو تتحول إلى سبب للفرقة والنزاع. والمطلوب هو ترسيخ النقد البنّاء القائم على العلم والمعرفة والموضوعية والابتعاد عن الصراعات العقيمة التي تؤدي إلى مزيد من التشظي والانقسام داخل الأمة. فهل نحن قادرون على تحقيق هذه المعادلة.