خالد بن حمد المالك
في بواكير شبابه، ودون تعليم علمي متقدم، ظهر سعد البواردي، قارئاً بنهم، ومثقفاً بامتياز، وصحفياً بارزاً، وشاعراً، وكاتباً، ومؤلفاً، وصاحب امتياز لإصدار صحيفة يرأس تحريرها بنفسه.
* * *
ظهر البواردي ضمن الرعيل الأول، يكتب بأسلوب أنيق وسهل، وغزارة في الإنتاج، لديه شغف بالصحافة، وتوجه نحو التأليف، لصيقاً بالأدباء والشعراء والمثقفين في الداخل والخارج، ما أكسبه ثراء في المعرفة.
* * *
وبين بيروت والقاهرة أقام أجمل سنوات شباب عمره، بين كبار كتَّابها وشعرائها وصحفييها، فأفاد واستفاد، في مناخ مكَّنه من توسيع تخصصاته واهتماماته المعرفية، يحضر الندوات والمحاضرات، ويقرأ الصحف، ويكون حاضراً لاقتناء أي كتاب أو ديوان شعر أو رواية وقصة جديدة.
* * *
كان سعد البواردي - رحمه الله - صاحب تفاعل مع المجتمع، يكتب بشجاعة عن قضاياه ومطالبه، ويعالج هموم الناس بطرح موضوعي متزن، يدعمه بالتوثيق والمستندات، ضمن اهتمامه بتقديم الحجة بالوثائق لمن يخالفه الرأي، أو لا يتجاوب مع وجهات نظره.
* * *
ربطتني بالفقيد سنوات طويلة من التواصل، ضمن تعاونه كاتباً في صحيفة الجزيرة خلال وجوده بالمملكة، وحين كان في لبنان ثم في القاهرة، وكانت رسائله مع مقالاته التي كان يرسلها بالبريد، أو مناولة حين يكون بالمملكة تحمل من التواضع، وحسن التعامل، ما هو سمة الكبار من المثقفين والرواد، وهو أحدهم.
* * *
وإذا ما كُتب عن الصحافة وتاريخها وبداياتها فسوف يكون سعد أحد فرسانها المذكورين بالثناء، وحين يكون الحديث عن الكاتب المميز، أو الشاعر الذي ظهرت مواهبه مبكراً، فهذا هو سعد البواردي، ألف عدداً من الكتب والدواويين الشعرية منذ بداياته الصحفية والثقافية، وظل اسمه حاضراً وبقوة يُتذكَّر كلما ذُكِر حمد الجاسر وعبدالله بن خميس وعبدالكريم الجهيمان وعبدالله بن إدريس، وغيرهم من أدباء نجد.
* * *
توفي بعد سنوات من الغياب عن عشقه في الكتابة بفعل تقدمه في السن، وكنت في آخر مرة قد زرته في منزله بترتيب من ابنته الأخت فدوى، فوجدت أنه قد وهن وضعف، وبالكاد أخذ يخطو خطواته إلى حيث يجب أن يجلس بمساعدة ابنته فدوى، فحزنت أمام هذا المشهد عن قامة ثقافية كبيرة اقترب رحيله.
* * *
لم يبق الكثير من جيله المثقفين الأحياء، وها نحن اليوم نخسر سعد البواردي، كما خسرنا الراحلين من قبله، فله الرحمة والمغفرة والدعاء له بجنات النعيم، وأحسن الله عزاء أسرته من أبناء وبنات، وعظَّم أجرهم، وجبر مصابهم، وألهمهم الصبر والسلوان.