هويدا المرشود
لا يطرق الباب، لا يرفع سلاحًا، ولا يصرخ في وجهك...
هو فقط يكتب.
كلمة، تعليق، سؤال عابر.
لكنه يخلخل أعماقك، يُربك اتزانك، ويهزمك وأنت خلف شاشة.
التحرش الإلكتروني ليس سلوكًا شاذًا على الهامش، بل واقع يومي يتسلل بيننا، يلبس ألف وجه، ويغرس سمّه في الهدوء الرقمي.
ضحاياه لا يصرخون، لأن الصوت في هذا العالم لا يُسمع إلا إذا ارتُفع عدد المتابعين.
هذه ليست مبالغة. بل حقيقة تصرخ بها الأرقام، وتبكيها الأرواح خلف الحسابات.
وباء رقمي يتمدد بصمت
- واحد من كل ستة أطفال في أوروبا يتعرضون لتحرش إلكتروني، بحسب منظمة الصحة العالمية.
- 90 % من المراهقين الأميركيين يرونه خطرًا حقيقيًا، وفق DataProt.
- في إنجلترا وويلز، 21 % من الشباب بين 20 و24 عامًا تعرّضوا له، ربعهم عبر الإنترنت.
إنه الوجه العصري للانتهاك... لا يُرى، لا يُلمس، لكنه يترك أثرًا أبقى من الجرح: انكسار داخلي، وقلق مزمن، وانسحاب من الحياة.
الجريمة التي تتخفى خلف «الإعجاب».
لم تعد الجريمة رقمية فقط، بل ذكية ومتقنة التنكّر.
قد تبدأ بكلمة مجاملة، صورة محببة، أو متابعة متكررة... ثم تنقلب إلى تهديد، تشهير، وابتزاز.
كل شخص معرض لهذا الاختراق، بصرف النظر عن عمره، جنسه، أو وعيه التقني.
الخصوصية لم تعد حصنًا، بل وهمٌ هشٌّ يسقط أمام تغريدة واحدة.
لا نحتاج قوانين فقط، بل نحتاج يقظة.
التحرش الإلكتروني لن يتوقف ما لم نُعد صياغة مفهوم «الوجود الرقمي» بأخلاقيات تُناسب العصر.
نحن بحاجة إلى:
- تعليم يُدرّس الاحترام كمهارة رقمية، لا مادة جانبية.
- منصات تُنصت للضحايا، لا تروّج للمسيئين.
- مجتمع يُجرّم التبرير، ويكسر صمت «العار الرقمي».
لكن، ماذا عن الردع؟ من يضع حدًا لهذا الانفلات؟
المملكة: حين يتحول القانون إلى درعٍ سيبراني
في مواجهة هذه الحرب الخفية، وضعت المملكة العربية السعودية منظومة تشريعية وأمنية متكاملة، منها:
- نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية (2007): لملاحقة كل من يستخدم التقنية للإساءة أو التشهير أو الابتزاز.
- نظام مكافحة التحرش (2018): لحماية الضحية وتجريم كافة أشكال الانتهاك.
- الهيئة الوطنية للأمن السيبراني: تقود جهودًا نوعية في تحصين المجتمع رقميًا عبر تطوير البنية التحتية، وتحديث السياسات الأمنية، وتعزيز الوعي المهني في القطاعات الحساسة.
وفي بيئة تتسارع فيها الهجمات الإلكترونية وتتنوع أساليب الانتهاك، برزت السعودية كدولةٍ تستبق الجريمة، لا تكتفي برد الفعل.
حين يُصبح السكوت جريمة أخرى
إن لم نُربِّ أبناءنا على وعيٍ رقمي، سنبكي غدًا ضحايا لم نعلّمهم كيف يحتمون.
فالتحرّش الإلكتروني ليس خللًا في التقنية، بل في الأخلاق التي تسير بها.
والخطر الحقيقي ليس في المتحرّش وحده، بل في مجتمعٍ اعتاد أن يبرر، ويُسكت، ويمضي.
فلنرفع الصوت... قبل أن تُصبح الضحية القادمة من نحب.
ولنُطفئ الشاشة... إن كانت تُشعل فينا نارًا لا تُرى.