د.محمد بن عبدالرحمن البشر
قبل أن يتقلَّد الرئيس الأمريكي ترامب قيادة أقوى دولة في العالم عسكرياً واقتصادياً وسياسياً، كان الناس والإعلام مشغولين بمحاور حول التغيّر الجنسي، وحقوق المتغيّرين، والتزاوج بين أطراف متعددة، وغير ذلك من الغرائب التي لم تخطر على بال أحد، لكنها حدثت وشرعت في بعض الدول، وربما فرضت في بعض الوظائف باسم التنوع الاجتماعي، لكن بعد تغيّر الإدارة في الولايات المتحدة الأمريكية، ووصول المحافظين إلى الحكم، أصبحت من الماضي، ولم نعد نسمع ترويجاً لها، كما قل حضورها الإعلامي بشكل كبير، وهذا أيضاً مؤشر على أن القيادات تلعب دوراً في التغيّرات الاجتماعية وحتى العقدية أيضاً، كما حدث في عهد المأمون والمعتصم والواثق العباسيين، وتحول الحال في عهد المتوكل، وهذا حدث في مناطق كثيرة من العالم مرات متعددة عبر التاريخ.
اليوم نكتب عن أحداث جديدة بعضها لم يكن حاضراً من قبل، وهي السلام بين روسيا وأوكرانيا، ومفاوضات النووي الإيراني بين أمريكا وإيران، والرسوم الجمركية، أما الحدث الذي كان قائماً وما زال على حاله دون تغيّر فهو الحرب على غزة.
الحرب الروسية الأوكرانية بدأت وكلنا نعرف كيف بدأت ولماذا، والمستهدفات والأدوات التي أشعلتها، لكننا نجد اليوم جهوداً حقيقية تقودها الولايات المتحدة للبحث عن السلام، وقد تم اختيار المملكة العربية السعودية مقراً للمفاوضات بطلب أقوى دولتين، وذلك للمكانة السياسية والاقتصادية التي تحظى بها المملكة على مستوى العالم، ولما تتمتع به قيادة المملكة من حكمة وعلاقات مميزة ومتوازنة بين الطرفين، وما زال الوقت مبكراً على الوصول إلى حل لأسباب كثيرة معروفة، لكن في نفس الوقت فإن في استمرار الحرب قتلى من قبل الطرفين، وخسائر مالية هائلة، وفقدان أحد الطرفين مزيداً من الأرض.
من الأحداث القائمة اليوم الملف النووي الإيراني وهو أمر تمت إعادة إحيائه منذ الوصول فيه إلى توافق عام ألفين وخمسة عشر، ثم انسحاب ترامب منه في فترته الأولى، واليوم بدأه الرئيس ترامب من جديد، وبعد أن وصلت إيران إلى نسبة تخصيب وصلت أكثر من ستين في المائة رداً على انسحاب الرئيس ترامب، وهو ما يخالف الاتفاق السابق المحدد بثلاثة ونصف، وتأثيره على المنطقة كبير من الناحية الأمنية والاقتصادية، ويأمل الجميع تجنب الأمور التي ليست في مصلحة المنطقة.
هناك حرب ناعمة قائمة وهي حرب الرسوم الجمركية، ويبدو أن البشرية أجمع تسمع بها ويعرفون شيئاً عنها وتتفاوت معرفتهم بمقدار متابعتهم، وخلفيتهم العلمية، وقدرتهم التحليلية، فبعد أن فرض الرئيس ترامب تعريفات جمركية متفاوتة على جميع دول العالم كما هو معلوم، أخذ الصراع العالمي منحى جديداً غير مألوف، والسؤال الكبير: هل سبب العجز التجاري الذي تعيشه الولايات المتحدة مع كثير من الدول سبب في عجز ميزانيتها الذي يناهز خمسة وثلاثين تريليوناً، وهل ستوفر التعرفات أموالاً لخفض الدين، أم أن إنفاق الفرد يفوق الإنتاج بسبب اعتياد الشعب الأمريكي على الاقتراض عبر بطاقات الائتمان، أو القروض البنكية المباشرة، وأكل لقمة الغد في الحاضر، ويبقى الأثر المترتب على مقدار التضخم عاملاً مهماً في قدرة الاقتصاد الأمريكي على المنافسة العالمية، وهل خفض الضرائب على الإنتاج المحلي سيعمل توازناً يحد من التضخم، وما أثر ذلك على التجارة البينية في العالم، سؤال لا بد أن ننتظر الإجابة علية، كما ننتظر أن ينظر العالم إلى ما يحدث في غزة بعين الإنصاف.