أ.د.صالح معيض الغامدي
هذا الكتاب الصغير الحجم الكبير الفائدة والمتعة هو سيرة ذاتية مرحلية أو شبابية لكاتبه الأستاذ عبدالرحمن الحازمي، يسرد فيها بعض التحديات التي واجهته في حياته من فترة المراهقة إلى العقد الرابع من عمره، وكيف تغلب على كثير منها في نهاية الأمر بعد مكابدة وتعب وإخفاقات عديدة، لكنه استطاع بما أبداه من إصرار على النجاح وما توفر له من جرأة منقطعة النظير في اتخاذ القرارات الصعبة، وما بذله من جد واجتهاد ومثابرة، استطاع أن يترقى في مجال الأعمال من مجرد موظف صغير بسيط يقدم القهوة للزبائن في المقاهي إلى أن أصبح مدير الشركات الاستراتيجية في يوتيوب وقوقل في العالم العربي. هذا ما سرده الكاتب في النصف الأول من الكتاب، أما في النصف الثاني فقد خصصه الكاتب لسرد عشر نصائح لقرائه وبخاصة الشباب منهم، كانت عصارة تجربته الحياتية في مجال العمل الوظيفي، وقد جاءت هذه النصائح مرتبطة بتجاربه الحياتية أشد الارتباط وكأنها مراجعة أو قراءة أخرى لحياته الشخصية. وقد كان الهدف الرئيس من كتابة سيرته في هذه المرحلة الشبابية المبكرة نسبيا ونشرها هدفا مزدوجا: توثيق تجربته الحياتية خلال هذه المرحلة من عمره، وإلهام جيل اليافعين والشباب ومساعدتهم في تخطي العقبات وتحقيق طموحاتهم. يقول الكاتب «أتمنى أن تكون قصتي مصدر إلهام لشخص في مقتبل العمر أو الشباب عموما؛ للتعامل مع التحديات والصعوبات في الحياة، وكيفية الوصول للأهداف بالطريقة الصحيحة… وتفادي الأخطاء التي وقعت بها خلال الأعوام الماضية».(ص5) ويقول أيضا: «أحد أهدافي من هذا الكتاب هو توثيق تجربتي البسيطة بتفاصيلها علها تدفع شخصا ما إلى الوصول إلى أهدافه بداية من مرحلة التخرج من الثانوية…».(ص53-54).
وقد التحق الكاتب بعد تخرجه من الثانوية العامة عام 1999 بكلية الزراعة بجامعة الملك سعود، وأثناء دراسته عمل في مجال تقديم القهوة التي كانت شغفه كما يقول، ولكنه لم يستمر في كلية الزراعة لأسباب عديدة لعل من أطرفها تعلم طريقة تلقيح البقر، واستمر في تقديم القهوة إلى أن جاءت المصادفة وقابل شخصا اقترح عليه السفر في بعثة على حسابه على أن يضم بعد ذلك للبعثة السعودية في بريطانيا، وقد كان يعمل ويدرس في الوقت ذاته حتى يتمكن من دفع تكاليف الدراسة. وقد سافر لبعثته، ونال درجتي البكالوريوس والماجستير، وعاد إلى الوطن وبدأ في رحلة مضنية للحصول على عمل، وعمل في شركات عديدة من أهمها شركة اس تي سي وافتتح عدة مشروعات خاصة مع شركائه اتسمت في معظمها بالفشل. وقد مر الحازمي من جراء ذلك بتجربة قاسية وهي تجربة العزلة عام 2016 بعد أن أصبح عاطلا عن العمل، وسافر إلى دبي لكي يبدأ من جديد، ولكن الفشل ظل ملازما له، وفكر في الهجرة إلى نيوزلندا، وارتحل إلى هناك، ولكنه ما لبث أن عاد إلى دبي وفيها وجد بغيته وتمكن من العمل أخيرا في شركة قوقل. وقد وصف الكاتب لحظة حصوله على العرض من شركة قوقل بقوله: «لن أنسى تلك اللحظة التي عشتها بعد وصول العرض، كنت انظر من النافذة إلى شارع الشيخ زايد المعروف، وشكرت ربي مع دموع الفرح بعد شهور من العزلة والبوصلة الضائعة والإحساس بالفشل بعد تجربة الشركة الناشئة، وفي تلك اللحظات أقسمت على نفسي أن أبذل قصارى جهدي للنجاح في تلك الوظيفة»(ص49)، وقد تحقق له ذلك.
أما بقية الكتاب فيقوم الكاتب فيه بسرد الوصايا أو النصائح العشر التي ورد ذكرها في العنوان الفرعي للسيرة لكي يستفيد منها القراء وبخاصة من هم في مقتبل العمر من الشباب واليافعين. وكأنه يريد بسرد سيرته الشخصية أولا أن يؤكد للقراء أن هذه الوصايا والنصائح لم تكن نتيجة مجرد التنظير والقراءة والرغبة في الإصلاح، بل كانت مبنية على تجربة حياتية واقعية شهدت إخفاقات عديدة وكذلك نجاحات عديدة، مثل النجاح الأخير التي تحقق له في شركة قوقل، ولذلك فإن مصداقية هذه النصائح العشر ودرجة إقناعيتها ستكون دون شك عالية جدا عند قرائه. ولذلك تمنى المؤلف في العنوان الفرعي لسيرته لو أنه كان يعرفها وهو في سن العشرين. وهذه النصائح التي وردت في النصف الثاني من الكتاب على شكل فصول قصيرة تحمل العناوين التالية: (اعرف نفسك قبل أي شيء … من أنا)، و(شبكة العلاقات…)، و «الإحسان… أو على حد قولهم «خلك فلبيني»)، و (مكسرو المجاديف…)، و(كيف تعرف تتكلم وتتواصل؟)، و(من لم يطالب ما أخذ…)، و(الترويج للذات…)، و(سمعتك هي رأس مالك)، و(العقل والحياة السليمة في الجسم السليم)، و(الخطة والأهداف وإلى أين أنت ذاهب؟).
وقد ختم الكاتب سيرته هذه بملخص حياتي جميل سماه «الزبدة» أكد فيه أن ما أورده من نصائح كان مبنيا على تجربة حياتية عاشها وأن هذه النصائح ليست كل النصائح التي يمكن تقديمها، ولكنه ركز على أهمها، وختم كتابة باقتباس مقطع من بداية قصيدة أبي القاسم الشابي «إرادة الحياة» جاء مناسبا جدا للسياق الذي كتبت فيه هذه السيرة الذاتية الشبابية وهذه النصائح الحياتية الثمينة.
بقي أن نشير إلى أن هذه السيرة قد كتب بلغة سهلة صادقة، قريبة جدا من كل قارئ، ومعبرة عن أحوال الكاتب المختلفة في تجاربه الحياتية، فرحا وترحا، وحماسا وتراجعا، ونجاحا وإخفاقا. ووظفت في بعض الأحيان بعض المفردات والعبارات الدارجة التي أضفت على السيرة مسحة واقعية جميلة.