أ.د.عبدالرزاق الصاعدي
قال الصغاني في الشوارد (ص 356 تحقيق عدنان الدوري): «اجْرَأَشّتِ الإبل: سمنت وامتلأتْ بطونها، فهي مُجْرَأَشَّةٌ بفتحِ الهمزة. وإِنما أدخل هذه الّلفظةَ في الشوارِد انفتاحُ همزة مُجْرَأَشَّة، لا مَتْنُها. قال ابن خالويه: وجدت هذه الّلفظة بعد سبعين سنة. قال الصّغانيّ مؤلف هذا الكتاب (يعني الشوارد): وأنا وجدتُ هذه الّلفظة بعد سبعين سَنةً».
قلت: ودوّنها الفيروزي صاحب القاموس، وكذلك فعل الزبيدي صاحب التاج، ونقل نصّ الصغاني فيها كاملا. فهي بهذا ليست من الفوائت؛ لأنهم رصدوها في معاجمهم المتأخرة. وإنما أوردتها هنا لتقف على عناية علمائنا بتتبع الألفاظ وصبرهم على التنقيب والتفتيش، وفرحهم عند الظفر، وقد وجدت لذّة ذلك في مجمع اللغة الافتراضي عند تتبع (الفوائت الظنية) لدى المنبعيين في بلادنا السعودية.
1/ توحّى: ادّعى أنه يوحى إليه:
روى ابن جرير الطبري في تاريخه (3/ 242 ت محمد أبو الفضل إبراهيم) بسنده عن عروة بن الزبير عن أبيه، أنه قال: «لما مات رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، وفَصل أسامة ارتدّت العرب عوامَّ أو خواصَّ؛ وتوَحَّى مسيلمة، وطُليحة، فاستغلظ أمرهما».
قلت: كأنه من التّلبّس بمسمّى ما اشتقّ منه هذا المعنى، فالوحي استماع لصوت خفي أو مسموع، وتوحّى مشتق منه، على قياس تنبّأ، من النَّبَأ؛ أي: صار كأنّه يوحي إليه ادعاء. ويرد هذا الفعل في لهجتنا اليوم، لكن باختلاف يسير في معناه، فنقول: فلان تَوَحّى لفلانٍ أي استمع له مصغيا، وفلان يتوحَّى كلامهم خلسة؛ أي: يستمع إليه. وهذا المعنى لم يرد في المعاجم، فليستدرك.
2/ الْتَطَسَ يَلْتَطِسُ:
الفعل التطس على وزن افتعل، من مادة (لطس) لم أجده في المعاجم بهذه الصيغة، وجاء هذا الفعل في شعر عديّ بن زيد بن الرقاع العاملي (ت نحو 95هـ) (ينظر ديوانه 102 برواية ثعلب تحقيق نوري القيسي وحاتم الضامن) قال:
وتسوقُ رجلاها تَواليَ خَلْقِها
طردًا وتَلْتَطِسُ الحَصَى بعُجاها
قال ثعلب في شرحه: «اللطس: دَقُّ الحجارة، يقال: خُفٌّ مُلْطِس وميسم، يلطس الحجارة ويسمها؛ أي: يدقّها، والملطاس: معول تكسر به الحجارة». قلت: وتلتطس تفتعل، من اللطس، لم يرد في المعاجم، وهذا شاهده، فليستدرك.