طلال حسين قستي
تحضرني هذه الأيام ومع اقتراب الذكرى الثالثة والثلاثين لوفاته (ت 2 مايو 1992) سيرة كاتب وأديب سعودي راحل، كان أحد الرواد الذين قل مثيلهم في زمانه، ليس في بلادنا فحسب، بل في عالمنا العربي، هو الأستاذ محمد حسين زيدان -رحمه الله-.. ابن طيبة الطيبة وفارس الكلمة المقروءة على مدى نصف قرن من تاريخنا الحديث.. هو صاحب الخواطر المجنحة والذاكرة التي تشدك دهشة وإعجاباً، عندما يستدرجها الزيدان في لغة عربية قوية، يطوع بها كلماته، وينفذ من خلالها للفكرة التي تشغل اهتمامه، فلا يجد أدنى صعوبة في صياغتها بأسلوب فني مميز، فيه من الطلاوة والسلاسة ما يثير الإعجاب، ومن الإمتاع ما يغري بالمتابعة والبحث عن جديده كل يوم.
كان الزيدان -رحمه الله- حاضراً، وكان مؤثراً أيما تأثير، أذكر قبل أربعة عقود أو أكثر، أنني كنت حريصاً على متابعة مقالاته اليومية أو الأسبوعية، وأتحين الفرص للاستماع إلى أحاديثه أثناء زياراته اليومية لتلاميذه في جريدة البلاد ومجلة اقرأ، خاصة عندما كان يأتي ليملي عليهم مقالاته، فهو ينتمي إلى نوعية نادرة من الكتاب الذين لا يمسكون القلم ليكتبوا، بل يعمدون إلى الإملاء، كالمتحدث الماهر على الهواء مباشرة، والمهم في الأمر أن يكون المملى عليه جديراً بهذا الشرف، من حيث التمكن من قواعد اللغة العربية وحسن الخط، وبشرط أن يكون أحد محبيه أو تلامذته وما أكثرهم، وإن كان في المقدمة الأستاذ عبدالله جفري، والأستاذ عبد الغني قستي والأستاذ علي العمير -رحمهم الله-، والأستاذ يحيى باجنيد متعه الله بالصحة والعافية.. وغيرهم.
وأسلوب الإملاء في الموضوعات النثرية ميزة تمتع بها أستاذنا الزيدان، مثلما تمتع بها الشاعر الكبير والأديب المتمكن محمد حسن فقي -رحمه الله-، الذي كان يفعل الشيء نفسه في إبداعاته النثرية، وقد شاهدته أكثر من مرة وهو يملي حضورياً أحد مقالاته على الأستاذ عبدالمجيد شبكشي -رحمه الله- رئيس تحرير جريدة البلاد وقتها.
كان الزيدان سخياً في كتاباته، ثرياً في لغته، مبدعاً في فنه، فارساً في ميدانه، ممتعا في أفكاره، ومن أمتع ما كنت أسمعه منه وأشاهده فيه بعد أن ينتهي من إملاء كلمته، سواء لزاويته اليومية الشهيرة «كلمة ونصف» أو مقاله الأسبوعي «مع الأيام» هو ضحكته المجلجلة وفركه لكفيه بعضهما ببعض.. ثم قوله مازحاً ولكن بشيء من الفخر: الكلمة عندي أطوعها، أتلاعب بمفرداتها، أطرحها فكرة، أصيغها كيفما أشاء».
والحق يقال إنه كان يفعل ذلك بكل يسر وغزارة، وكان من حقه أن يتيه ويزهو بكلماته، وهو الذي عشق الكلمة وتمكن من لغتها الجميلة، وامتهن حرفة كتابتها حتى دانت له صعابها، وسهلت عليه أدواتها، فأحسن التعامل معها صياغة وفكراً.
ومن الإنتاج الكتابي الغزير للأستاذ محمد حسين زيدان أذكر للجيل الذي لم يعاصره بعض أسماء كتبه المطبوعة «سيرة بطل»، «عبدالعزيز والكيان الكبير»، «ثمرات قلم»، «كلمة ونصف»، «خواطر مجنحة».. وغيرها.
يقول الأستاذ الزيدان في كتابه خواطر مجنحة الذي صدرت طبعته الأولى عام 1404هـ /1984م عن مؤسسة تهامة ضمن سلسلة الكتاب العربي السعودي:
الزهد حلية الأتقياء، والمال قيمة الكرماء ونبل النبلاء، وبطر السفهاء، وذل البخلاء.
ليس الحرمان ألا تجد، وإنما الحرمان أن تفقد ما وجدت.
الحزن.. سكينة النفس المطمئنة.
كان الأباطرة يحتكرون الموبقات فأصبح السماسرة أباطرتها.
أسعد أيام الضعف ما كان يصدر عن قوة الحب، وأتعس أيام القوة ما كان يصدر عن ضعف الكراهية.
رحل الأستاذ محمد حسين زيدان إلى جوار ربه عام 1412 هـ - 1992م ولكن أفكاره وإبداعاته لم تزل حية تذكرنا بقمة من الرواد يصعب تعويضهم.
** **
- رئيس تحرير مجلة الحج والعمرة سابقاً.