عبدالمحسن بن علي المطلق
.. وليس لا سمح الله (تعقّب) إثر كاتبنا الحبيب الأستاذ عبدالله العولقي، الذي اجتزئ من مادته مطلعاً (طويلاً) شيئاً ما، واعتذر لنقله.. لكن مما قيل عن الاختصار «حذف أي كلمة أو جملة لا تخلّ بالمعنى»، فلم أجد، وهنا ما وجدت لي مدّخلا سوى قول (لا بدّ مما ليس منه بدّ)، المهم هاكم صدر مادته:
«تُـعتبر العلاقة الثنائية المتلازمة بين الموهبة والحسد طبيعية في عالم الحياة البشرية، فالفرد يحبّ أن يتميز عن أقرانه بسمة غريزية فطرية أو إبداعية مكتسبة يتمتع بها، وفي المقابل هناك أقران له يرفضون هذا التميز لأن نفوسهم ترى أنها أحق بهذا التفوق! فتكون ردة الفعل الطبيعية أن يحاربوا هذا التميز حسداً من عند أنفسهم.
وهذه المعادلة البشرية موجودة في أصل الغريزة الإنسانية منذ بدء الخليقة وحتى يرث الله الأرض ومن عليها، بيد أننا اليوم نتحدث عن هذه الثنائية في ظل البيئة الأدبية وتحديداً مع ثلاث مواهب شعرية في أدبنا العربي عانوا كثيراً من ردة فعل الأقران والحسّاد تجاه عبقريتهم المتقدة، سنلحظ من خلال الأمثلة الشعرية أن الخطاب الموجّه إلى الحسّاد يرتكز على الأنا المعتدة والمكثفة في أسمى صور الفخر والاعتزاز بالذات.
وفي المقابل نجدها تتضمن الهجاء المبطّن لهؤلاء الذين عجزوا عن الوصول إلى مستوى الموهبة فاستعملوا سلاح الغيرة والحسد.
وإذا تحدثنا عن القاسم المشترك بين هؤلاء الأعلام الثلاثة).. ويقصد الذين في مادته .. تلكم - ، يقول:
(سنجده يرتكز حول العصامية واستغلال الموهبة الشعرية في بناء الذات الأدبية المتعالية رغم الظروف العسيرة التي كابدوها في مسيرتهم الحياتية، بالإضافة إلى معرفتهم الدقيقة بخبايا وأسرار النفس الإنسانية.. «، الجزيرة الثقافية العدد( الجمعة / السبت) 23 من هذا ال رجب، ولعله فات الأستاذ وهو «النحرير» .. كذا أحسب، أن - ربما - هناك خلطاً بين الحسد والمنافسة يقع به من رجّح إحدى الكفّتين على الأخرى (وهاكم مماثل «شعرة» التفريق بين الحياء والخجل)!، فأملي بأن هذا يظهر إن وضعنا بعين الاعتبار أن القمّة بنظر تلكم الفئة لا تتسع إلا نزراً وأحايين فُرادى، أو بزمن ما يوم تفرّد (ابن تيمية ) رحمه الله، في أتون (عصره) .. أنموذجاً.
فالكثير من نزعات الأنفس لها وجهان، سلبي وإيجابي، فالمناط هو النيّـة - والتي محلّها القلب - ، فما أن يزيد مكيال أحدهما، إلا ورجح بصاحبه!
إذ لولا جزء من الحسد ودافع من الغيرة، وقد أتت بالقرآن بدوافع إخوة يوسف فيما ماءُ الحسد جاء في وصفٍ هو أبلغ (( سنّـة التدافع))، لما كان للمنافسة من حيّز بالذوات المشمرة للمعالي تصعّداً.
ولنأخذ على هذه دليلاً (صدر) بيتٍ من طلب العلا .. ، فإلى ماذا سيعمد ؟
الجواب: (كدّ) الليالي..
ومن الخطأ قول بعضهم سهر، بل ((كدّ)) والتأكيد عليها، أي واصل جُهد ذاك الكدّ ليله بالنهار.. عاملاً
عوداً على الفرق.. تجده أحايين كالشعرة التي قلما يُحسها من يقرأ أطرافاً من السّـير، فلا يلتفت تعمقاً أو سبر أغوار من نافس على (المعالي).
لكن وللحقيقة تجلية/ فمن يعمد للجري معك بالميدان خلاف من يضع العصيّ في دواليبك?? لأن الميدان مفتوح والمجال فسيح، ولا يضيّق واسعاً إلا من ضاق استيعابه لأبعاد الصراع وهو للعلم حتمي على مقدرات الحياة، وهاكم جلاء (.. وفي ذلك فليتنافس المتنافسون) لا، ليسوا المتثائبين فهم - أهل الأنانية، أي هؤلاء هم (هنا) الحُساد.
ولا أجزم بهذا الحكم فإن بعض معالم المرء تكون قاصرة فأنى له وهذا التعجّل على أن هناك طرفاً لأن للحسد وجهه المحمود، كما في إطراء نبينا - صلى الله عليه وسلم - : (لاَ حَسَد إلاَّ في اثْنَتَيْنِ: رَجُلٌ آتَاهُ اللَّه مَالًا فَسلَّطهُ عَلى هلَكَتِهِ فِي الحَقِّ، ورَجُلٌ آتاهُ اللَّه الحِكْمَةَ فهُوَ يَقْضِي بِهَا، وَيُعَلِّمُهَا) مُتَّفَقٌ عَليهِ، فالمعنى هنا واضح، إذ جليّ لأفق فوق مطالب الدنيا ومطمعها .. ألا شيء يستحق الحسد مثلما ذُكرا بالحديث.
فلعلنا نأخذ منه طرفاً غزير الدلالة/ إذا انتشلك حسدك لمراد ما أوحاه الحديث، بأن قمت (على حيلك).. فـأنهضت ذاك المارد داخلك، ليفعل الأفاعيل كي (تنافس..)، فهذا عزّ المراد، وهذا - للعلم - لا يأتي قعر آخره إلا من يشاركك التخصص، وإلا فالفجوة تكبر بين الطرفين كلما اختلف التخصص، على أن القمّة هي الملتقى إن مضى مع صاحبه بتوازن الجهد، وكان لكلٍّ مشربه، في احتدامٍ للحري كل وهدفه في الجري لذات الهدف، أي القمّة، في البروز بذات التخصص الذي ارتأه كلاهما.
ستجد - مثلاً - دكاترة أكاديمياً. لكن كلُّ بمجاله، فهذا بالطب البشري وذاك بالإدارة أي لا تعدم أن تجد من بذات الدرجة من الكدّ بهمّة الوطئ على النفس والوقوف على عتبات المشاهي رادعاً.
وهنا فنحن (المتلقين) أول من يستبشر بذاك الحسد.. عفواً أقصد تلك «المنافسة»، واليوم نجد في عصرنا من يتنافسون على (علو الأبراج) كلٌّ وما تمدّه ماليته !، فهل سيأتيك من يقول اذهب ونافس بماليتك - فلوسك.. - بمجال آخر؟
أبداً فالأفق ملك للجميع، فيما الميدان (يتـسع) الجميع أيضاً، وخذ في هذا نصّاً نبوياً وافياً.. يوم قال أعرابي للنبي – صلى الله عليه وسلم - : (ربي ارحمني ومحمداً..) والقوم يسمعون، فأجابه - صلى الله عليه وسلّم - : (لقد حجّرت واسعاً).
فأرجو ألا يكون أي باحث ينحل هذه المثلبة فيخمط.. !، لا بل أرجو أن يكون فهمي أنا هو الذي وقع بهذا الخلط!.
إشارة/
نص (ما خلا جسد من حسد..) يتوارده بعض الجهابذة، لكن للعلم عليه ملحظ/ على نوع نظم/
حَسَدوا الفَتى إِذ لَم يَنالوا سَعيهُ
فَالقَومُ أَعداءٌ لَهُ وَخُصومُ