رقية سليمان الهويريني
وداريت كل الناس، لكن حاسدي
مداراته، عزت وعز منالها
وكيف يداري المرء حاسد نعمةٍ
إذا كان لا يرضيه إلا زوالها؟
سُئل إعرابي جاوز عمره المائة وعشرين عن سر بقائه مع تمتعه بالصحة، فقال: تركت الحسد فبقيت. ويقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الحاسد مغتاظ على من لا ذنب له. والحسد أول ذنب عصي به الله، حيث حسد قابيل أخاه هابيل حين لم يقبل الله صدقته، فأدى ذلك إلى قتله لأخيه وهي أول جريمة في التاريخ.
ولا شك أن الحسد مرض نفسي خطير، إن لم يعالجه صاحبه فإنه يستشري ويتحول لسرطان يكاد يقتله، بل إنه يؤثّر على الجسد كتأثيره على النفس تماماً. فتكثر فيه الأمراض الغربية. وقديماً قيل (صحّة الجسد في قلة الحسد).
ويقول فيكتور بوشيخ: (إن الحسد والغيرة والحقد آفات تنتج سموما تضر بالصحة وتقضي على جانب كبير من الطاقة والحيوية اللازمتين للابتكار والعمل).
والحاسد قلق دوماً، متوتر غالباً، ناظراً لما في أيدي الناس، مستكثراً ما لديهم، مقللاً لجهودهم، ساخراً منها ناقداً لهم. ولا يهدأ وهو يراهم في حبور وسعادة، ولا يكتفي بما هو فيه من خير فيشغل نفسه بما عنده، بل تراه متحيناً فرصة التشفي بما يصيبهم لتبريد غليان نفسه، فلا يقنع بواقعه ولا بما رزقه الله، ولا ينظر لمن هم أقل منه فيحمد ربه، بل ينظر لمن هو أكثر منه مالاً وصحة ونجاحاً فيشكو وضعه ويسخط على الله. وربه أعلم بما يصلح حاله.
ولئن كانت بعض النفوس مجبولة على الحسد؛ حيث لا يخلو جسدٌ من حسدٍ، فالكريم يخفيه، واللئيم يبديه إلا إن كثيراً من الناس ينجرف به تجاه البغي والظلم والعدوان والتجني، حيث إن ذلك يشعره بالتفوق، ولا يكاد يردعه الإيمان بالقضاء والقدر ولا بتقسيم الأرزاق.
والحسد مصدره الغيرة التي تتوقد فيتولد عنها هذا المارد الذي يتعب البشر ويدمرهم نفسياً ويبعدهم عن قلوب الناس، وعن رحمتهم.
ويكثر الحسد بين النظراء والأقارب والأصدقاء، وهؤلاء الناس ممن يتعايش معهم المرء ويدخلون بيته أو يشاركونه عمله أو حياته ويطلعون على أحواله ومن الصعب اكتشاف ما تنطوي عليه نفوسهم إلا بالتعامل معهم، وحصول مواقف تدلل على تغلغله في قلوبهم. ولا ريب أن عظمة عقلك تخلق لك الحساد، وعظمة قلبك تجلب لك الأصدقاء.