د. ناهد باشطح
فاصلة:
«السخرية سلاح من لا يملك سيفاً»
- جورج برناردشو -
يستوقفني أي فيديو فكاهي أشاهده أو يأتيني عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لأني أدرك أن الفكاهة أعمق في إيصال الرسائل الإعلامية من أي وسائل أخرى، وأن هناك علاقة بين الفكاهة والضغوط النفسية، إلا أن الدراسات لم تُركز على فئات مُحددة من الفكاهة والحالات النفسية السلبية.
في دراسة إيطالية على عينة من 686 مشاركًا إيطاليًا (187 رجلًا و499 امرأة)، تتراوح أعمارهم بين 20 و76 عامًا، توصل الباحثون - بعد إجراء استطلاع إلكتروني، استُخدمت بياناته لدراسة العلاقة بين ثمانية أنماط كوميدية، والاكتئاب، والقلق، والتوتر - أن السخرية ارتبطت ارتباطًا إيجابيًا بالقلق والتوتر والاكتئاب.
ووُجد أن الأشخاص المصابين بالاكتئاب السريري يستخدمون الفكاهة التي تُحبط الذات أكثر، والفكاهة التي تُعزز الذات أقل من غير المصابين بالاكتئاب.
مما لا شك فيه أن السخرية تهدف إلى التقليل من قيمة القيم المعترف بها عمومًا، وقد تصبح السخرية وسيلة لمهاجمة الآخرين بشكل مباشر والتعبير عن انزعاجهم.
ولكن لماذا يستخدم الناس الفكاهة؟
يجد البعض أن الفكاهة أداة فعالة للتعامل مع التجارب الصعبة ويحاولون إثارة التعاطف تجاه عيوب الآخرين من خلال اكتشاف التناقضات في الـتـجارب الحيــاتية الـيـومية ومعالجتها بروح الدعابة.
يمكن للفكاهة الإيجابية أن تساعدنا على فهم تناقضات الحياة وتجعلنا نعامل الآخرين بلطف، ونعيد تقييم المواقف السلبية، وبالتالي نقلل من المشاعر السلبية، لكنها أيضاً يمكن أن ترتبط بالتفسيرات المُشوّهة لأحداث الحياة والتشاؤم المُتزايد بشأن الأحداث الإيجابية في المستقبل مما يحدث القلق.
في السخرية نميل إلى إدراك أكثر غموضًا للأحداث، مما يُوجِّهنا معرفيًا لاختيار الجوانب السلبية فقط من الأحداث وتجاهل العوامل التي كان من شأنها أن تُغيِّر تفسيراتنا السلبية.
ويستخدم الساخرون خيبة الأمل والسخرية لتسليط الضوء على نقاط الضعف في المشهد الذي يتحدثون عنه.
لذلك فإن تداول الفيديوهات الفكاهية الساخرة من الواقع بما تحمل من رسائل إعلامية يمكن أن يساهم في نشر السلبية ، لكن دراسات أخرى قصيرة المدى وجدت أن مشاهدة الفيديوهات القصيرة لمدة 3 أسابيع قد ساهمت في تخفيف التوتر وتحسين الصحة النفسية.
لذلك فالأثر سواء كان سلبياً أو إيجابياً فإنه يعتمد على نوع الفكاهة هل هي هدّامة أم بناءة، ويعتمد كذلك على سياق المشاهدة هل تضحك لأنك بحاجة للتنفيس أم لتهرب!
أما وعي المشاهد فهو الحكم الذي إن احتكمنا إليه فعلينا قبل أن نتداول هذه المشاهد الفكاهية أن نتوقف قليلاً لنعرف مضمونها لئلا ننشر السلبية في محيطنا ونساهم في إحداث القلق.