أحمد علي بكري
في خضم الأزمات العالمية المتزايدة - من تغير مناخي، إلى فقر مدقع، إلى انهيار بيئي شامل - يُصر البعض على الترويج لفكرة استيطان كوكب المريخ، وكأن الحل لمشاكل البشرية يكمن في الهروب من الأرض إلى كوكب ميت، قاحل، وعديم الحياة.
هذه الفكرة، رغم ما يُحيط بها من زخارف علمية وإعلامية، لا تعدو كونها وهمًا كبيرًا يُسوَّق للجماهير باسم التقدم العلمي، بينما الحقيقة أنها باب من أبواب استغلال المغفلين ونهب أموالهم تحت شعارات براقة.
المريخ ليس بديلاً عن الأرض، فبيئة كوكب المريخ غير صالحة تمامًا للحياة البشرية لأن درجات حرارة منخفضة جداً تصل إلى ما دون -60 مئوية، وغلاف جوي رقيق لا يكاد يحتوي على الأوكسجين، وإشعاعات كونية قاتلة بسبب انعدام المجال المغناطيسي، ونقص شديد في الموارد الطبيعية الأساسية كالماء السائل.
حتى لو نقلنا الأرض بكل ما فيها إلى مدار المريخ، فإن ضعف أشعة الشمس واختلاف الظروف الفلكية والمناخية سيؤدي إلى انهيار الأنظمة البيئية التي تقوم عليها الحياة، وفكرة إرسال البشر إلى المريخ دون ضمان رجوعهم، كما تقترح بعض المشاريع، ليست إنجازًا علميًا بل مشروع انتحاري مغطّى بالدراما الإعلامية. كيف يمكن أن يُروَّج للعالم بفخر أنهم سيُرسِلون بشرًا إلى كوكب لا يستطيعون العودة منه؟ وخلف هذه الضجة العلمية تقف شركات ضخمة ومشاريع خاصة مثل «سبيس إكس» و»بلو أوريجن»، تستغل هذه الأحلام الوردية لجذب الاستثمارات، وجمع المليارات، بينما تسوّق نفسها على أنها «منقذة البشرية»، بينما الحقيقة أن الهدف الأعمق هو الربح، لا العلم، ولا الإنسان.
وهناك تمويل هائل يُصرف على مشاريع فضائية بعيدة عن الواقع، وإعلام ضخم يصوّرها كفتح علمي عظيم، وعقول تُباع لها الأحلام، بينما الأرض تُترك لتنهار، وفي المقابل، نرى تجاهلًا شبه تام للقضايا البيئية والإنسانية الواقعية مثل الحيوانات التي تم إبادتها، مثل طائر الدودو، البيسون الأمريكي، النمر التسماني، وغيرهم، وانقراض أنواع كاملة من الكائنات، بسبب الصيد الجائر، وتدمير المواطن الطبيعية، وتدهور التنوع البيولوجي بشكل خطير، دون تحرك عالمي جاد، والمفارقة أن التكنولوجيا الموجودة اليوم، مثل تقنيات التعديل الجيني (CRISPR)، تتيح لنا إمكانية إعادة بعض هذه الأنواع المنقرضة، أو على الأقل حماية ما تبقى منها. لكن لا نجد الحماس أو التمويل اللازم، لأن هذا لا يعود بربح مباشر، ولا يمكن التفاخر به. ولو تم توجيه جزء من المليارات التي تُصرف على مشاريع خيالية مثل استعمار المريخ إلى دعم الدول الفقيرة، وتوفير الماء والغذاء للمناطق المنكوبة، ومعالجة التغير المناخي، وحماية الحيوانات والنظم البيئية، لكنا نعيش في عالم أكثر عدالة، وأكثر استقرارًا، وأقرب لما يجب أن تكون عليه الإنسانية.
خلاصة
مشاريع مثل استيطان المريخ قد تبدو للبعض «قمة التقدم العلمي»، لكنها في حقيقتها أوهام يُراد منها إلهاء الشعوب، واستغلال أموالهم، وتحقيق أرباح هائلة باسم مستقبل خيالي.
الأرض خُلقت للإنسان، وذُكرت في الكتب السماوية كمكان الاستخلاف، والعناية بها مسؤولية لا يمكن تجاهلها، أما محاولة الهروب منها إلى كوكب لا يصلح للحياة، فهي ليست حلاً... بل خدعة كبرى.