عبدالكريم بن دهام الدهام
لطالما جاءت في مخيلتي فكرة وضع «الدرعية» تحت عدسة المجهر، والتمعن في جزئياتها ومكنوناتها الدقيقة، والإبحار في أركانها وزواياها، وفي كل مرة تتكون لدي ثقة كبيرة وعظيمة بأن ما سأشاهده سيزيدني اعتزازاً وفخراً، ورغبة لاستكشاف أسرار هذا المكان السي أتقن في أن يكون أيقونة المستقبل بكل امتياز، في ظل دعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وسمو ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز آل سعود - حفظهما الله .
فأن يتحول مكان إلى لوحة فنية يجتمع فيها التراث والحضارة وتتكامل فيها عناصر التميز والإبداع، وتتصافح فيها جميع أنواع البرامج والأنشطة والفنون، وتتلاقى فيها مختلف الثقافات على طاولة مستديرة بانسجام لافت النظر، لتؤسس لاقتصاد إبداعي مستدام وفق طريقة علمية مدروسة، وتعانق فيها التكنولوجيا رؤى أهل المواهب والإبداع وطموحاتهم، وتتحادث فيها المواهب على المستوى المحلي بالخبرات العالمية، ليثمر تحدثها عن بناء اقتصاد يرتكز على الإبداع والابتكار، فهذا ما يجسد الدعم الاستثنائي الذي يوليه سمو ولي العهد - حفظه الله - بمشروع الدرعية دون سواه.
وفي موسم الدرعية 2024 - 2025م، في نسخته الرابعة الذي عاش فيه الزوار أكثر من 100 يوم بين الفعاليات النوعية، والتجارب التفاعلية، والعروض الحية، من أجل تعزيز السياحة التاريخية والثقافية في المملكة، وابتكار مساحات للتبادل المعرفي والثقافي مع زوار الدرعية من جميع أرجاء العالم، فردت « الدرعية « أجنحتها على العالم، وفردت معها مساحات واسعة في التاريخ والفنون والإبداع والثقافة والعمارة التصميم والشعر والقصص والرواية، إضافةً إلى الفنون الأدائية والتجارب التفاعلية وفنون الطهي، عبر 10 برامج رئيسية في مناطق متعددة، تحت شعار «أرض ترويك»، لتمثل تلك البرامج والأنشطة النوعية مساحة جاذبة للموهوبين والمبدعين، سلطت من خلالها الضوء على مواهبهم ومهاراتهم النابضة بالإبداع والحياة، فأضافت «الدرعية» إلى رصيدها التاريخي والثقافي الكثير، وخلقت مفهوماً نادراً لمكان لا يكتفي بالحلم بقدر ما يسعى إلى تحقيقه.
منجزات كبيرة تحققت في موسم الدرعية 2024 ـ 2025م، ولكنني أشاهد المنجز الأكبر في تأثير فكر «الدرعية» الطموح والرائع على فكر مواطنيها والمشاركين في برامجها وفعالياتها وتجاربها الاستثنائية والملهمة، فعلى خطى» الدرعية « وفكرها المنفتح المبني على تاريخ وتجارب وتراث، سار المبدعون الذين شاركوا في موسم الدرعية 2024 - 2025م، وكانوا جزءاً مساهماً في نجاحه بطموحاتهم غير المحدودة، وهدفهم في الوصول لآفاق متسعة وجديدة على صعيد المستوى العمراني والثقافي والاقتصادي والاجتماعي والتطوير البيئي لوادي حنيفة، مع الحفاظ على هويتها، ومن دون تأثير على طبيعتها الأصلية، وهو ما يحقق أهداف «الدرعية» ذات المكانة الكبرى في نفوس السعوديين وتحركها الجاد لأن تصبح واحدة من أهم الوجهات السياحية والثقافية وأماكن الجذب في المنطقة والعالم.
هذه هي «الدرعية» التي شاهدتها تحت عدسة المجهر، مكان لا يتوقف عن الحلم والنشاط والعمل، ومدرسة عصرية تمكنت من النجاح في تغيير الفكر الإنساني ليساير المستقبل.