(سلفي)، (شيعي), (صوفي), (ليبرالي)... المنتصر والمهزوم في حرب المصطلحات محمد عبد الله الهويمل
حضور الاصطلاحات التعريفية ضرورة في أي جدل فكري شأن الرايات في المعارك وتتوتر هذه التعريفات والاصطلاحات درجة التحزب والتحزيب غير أن الأحرى بالفحص هنا هو النتائج والإفرازات لأن الاحتدامات والتجاذبات حتمية وطبيعية ومسألة إجرائية بحتة وتوصيفها ليس بدعاً ولا إبداعاً بل أشبه بالنقل المباشر عبر الشاشة. وبعد عبور هذا الجدل هذه المسافة الشاسعة أخذت هذه المصطلحات تتشكل إيجاباً وسلباً حسب حضورها وبسط شخصيتها وصدقيتها وحجيتها واستحضار ملابساتها الأخرى على منصات الجدل والمناظرة وإحاطة الجانب الأخلاقي بهذه الدوائر. فبات سهلاً على المتلقي العامي أن يحدد الصادق والكاذب والمخلص والمنافق والواضح والمتحايل والقوي والضعيف أمام أسئلة النخبة والعامة وعزز حضور الإعلام غير الرسمي كاليوتيوب من تأطير هذه الفئات ضمن هذه التعريفات والمصطلحات وبات أفراد هذه الفئات محرجين أمام مبادئهم وأنفسهم ومريديهم ولا مناص لهم من قبل الانخراط في المصطلح ويتحملون تبعاته بعد أن انتدبوا أنفسهم ممثلين له ومنافحين عنه ثم أخذت هذه التشكلات اللغوية التعبيرية عن المؤسسات الفكرية تأخذ مداها في حركية وقاموسية الجدل الإعلامي والنخبوي بل وقطاعات من الشعبي وفور دخول أو تدخل هذا الأخير في الجدل تدخل في التصنيفات ولعب دوره النافذ في حسمها ضد ومع. ورغم توجس الإعلام الرسمي – الصحفي تحديداً – من صبغ الحراك السعودي بهذه الصبغة المصطلحية إلا أنه فشل بعد ظهور إعلام الظل أو المارد الإنترنتي الذي جعل الأصل ظلاً والظل أصلاً في حرب المصطلحات وانتصر لإيديولوجيته الحرة على هيئة رد حاسم ضد الرسمي – ذي الاتجاه المحدد – الذي مهد أرضية هشة لصياغة واقع جديد للتعريف والاصطلاح تقوم على التقريب والإقصاء غير المباشر في شكل التغيير المصطلحي.
فمصطلح (صحوي) مثلاً كان مفخرة لمتصفها واستحال إلى غير ذلك بسبب المناخ الجديد الذي يلعب بمهارة في تربية المصطلح وتوجيهه باتجاه معاكس أحياناً. غير أن النافذين في هذا الإعلام المقروء لم يعوا تنامي الإعلام الاجتماعي الذي يتحكم في مفاصله كل مقروء ذي وجبة خفيفة وهذا لا يتوفر في الرسمي ذي المسحة الليبرالية فإذا كان الرسمي يشفع الخبر والمقال بالصورة، فالإنترنتي يشفعها بمقطع فيديو يبعث على مزيد من الجدية والمصداقية بل يشي بعناية متجاوزة بالمتصفح وكل هذا السيناريو يدعو إلى مزيد من التأكيد على تواصل الاجتماعي بالإنترنتي الجاد والمحافظ إيديولوجياً بل إن الطامحين تجارياً في الإنترنت يغازلون الديني والمحافظ في سبيل شراكة عادلة بين مستفيد ورابح تنتهي إلى تقارب أكثر يكرس من قبول الاجتماعي بإنتاج الإنترنت المحافظ من الاصطلاحات والنبز بالألقاب وتوجيهها إلى خاناتها التي يحددها المنتصر المحافظ الحائز على النفوذ البالغ في السلطة الرابعة الحقيقية (الإنترنت) ومن ذلك التوافق دخلت حرب المصطلحات فصلاً جديداً أو نهائياً لتحديد الخاسر والرابح بعد أن أسس الآخر مساحة مترامية للحياة والصخب والإثارة خارج المحميات التقليدية الضيقة الآخذة في الضمور بل أصبحت هي عرضة للتهميش وأقل قدرة عن الدفاع عن نفسها حتى في المحافظة على ألقابها الثقافية ك (إصلاحي، تنويري، وطني...) بعد أن افتعلت مواجهات كانت الأضعف فيها وعليه فالإنترنت يشن حملة لا هوادة فيها ضد المصطلح المسكوك في الصحافة الليبرالية.
ولأن الرسمي وقور في توصيفاته حتى لو كانت متطرفة على العكس من النت وهذا ما يدفع بعضهم إلى الكتابة في النت بشكل غير وقور بعد أن خرج عن شروط المحمية الإعلامية. وفي السياق الزمني لهذه التجاذبات تنهض الشاشة الحرة لتعزز ما يشهر في النت وتضعه تحت الشمس لتطبيع ما هو طارئ وشرعنة المقاومة المحافظة ضد ما يسمى بمشروع التغريب.
إن التربية السعودية العفوية أسرياً ومسجدياً وتعليمياً كونت خلفية متكاملة وأرضية صلبة وبلورت وعيا خاصا بالتصنيفات لا تزاح إلا ببرهان دامغ لا يتحايل ويضع الأمور في مربعاتها الحقيقية وهذا مشروع لا بد أن ينسق في سبيله كل دعاة التنويري غير أن ما حدث هو العكس وحدث التراجع للتنوير بوقوعهم المتكرر في سقطات حادة طالت المشاعر الجمعية وأكدت الاصطلاحات التصنيفية وأبقتها على ما هي عليه ووفق ما حدده المحافظون سلفاً وانتصر المعركة بخسارة التنويرين للمشروع والتصنيف معاً مع انتصار المحافظين لمعركة المصطلح بل إنني أجزم أن التنويريين لم يحصلوا ثقافياً على الجنسية السعودية رغم أنهم لم يتورطوا في تفجيرات وأعمال عنف في حين أن الظاهرة الدينية رغم ضلوع بعضها في هذا عادت وبسرعة في علاقتها الحميمية بالمجتمع وتلقاها المجتمع بالصفح والغفران لأنهم (عيالنا غلطوا) فالمجتمع يغفر للصحوة أخطاءها الطهورية وهذا قد لا يتحقق مع أخطاء الليبراليين نتيجة سوء إدارة المصطلح وظلاله في الحركة السعودية الاجتماعية وهذا يطّرد في أطراف أخرى خسرت المعركة ذاتها للأسباب ذاتها ك(الشيعي) و(الصوفي) فهما على الرغم من اعتزازهما بهذا التوصيف المصطلحي إلا أنهما لم يحسنا من ربطه بملابساته الإيجابية وعدم وعيهما بالنقد العقلي والسلفي فالصوفي لم يجتهد من فض ارتباطه بالخرافي وكذلك الشيعي أو عقلنته على نحو واضح وعلني فبات المصطلح دلالة مباشرة على ملابساته وملازماته على خلاف السلفية التي دافعت عن منهجيتها ومفاهيمها المركزية وبذلت جهداً في مهاجمة الظاهرة والثقافة التي وُصمت بها ونجحت حين استطاعت عزل السلفية المدرسية عن السلفية الجهادية وتم بسط هذا التفريق إعلامياً وحققت السلفية نجاحاً جديداً في حرب المصطلحات. والأزمة الماثلة أن الصوفي والشيعي يعيشان المقبول والمرفوض وينطويان على هذه الثنائيات الضدية دون أي مجهود لتحسين المرفوض أو نفيه ولعل هذا ما جعلهما في خانة المدافع عن نفسه طيلة الجدل والنقاش والتناقد بينهما وبين السلفي الذي يلج المناظرة ليوجه التهم وهما يستقبلانها ويجتهدان للتفنيد دون أن يوجها له نقداً ذا صلة بالإسلام وأصوله فأبديا ضعفاً دخل في تشكيل مصطلحهما التصنيفي فكانت له الظلال السالبة وخسرا معركة المصطلح وانتهت إلى صعوبة عزل (الخرافي) عن(الصوفي) و(الشيعي) عن (البدعي) و(الليبرالي) عن (العلماني) في حين أن وصف السلفي ب(الوهابي) ليس تهمة بل مدعاة للمفاخرة لأن حرب المصطلحات بدأت بشروط ومرت بها وانتهت إلى هذه النتائج المتوقعة والطبيعية ولأن السلفي بقي في خانة المهاجم دون أن يمنح فرصة للآخر فانفرد بإدارة حرب المصطلح وكسبها باحتكاره جاذبية تصنيف(السلفي) وسحره.