كلما قاتل العرب أعداءهم، أبدوا قدراً مخجلاً من التردد، حتى لا أقول الجبن. وكلما قاتلوا بعضهم البعض، أي تقاتلوا مع بعضهم، أظهروا قدراً هائلاً من التصميم والعنف، وأبدى كل طرف منهم رغبة قاطعة في قهر وإبادة الطرف الآخر.
حاربت الجيوش العربية إسرائيل، فهزمت أول الأمر خلال ساعات (حرب حزيران)، ولم يقاتل منها غير أعداد قليلة من جنود انقطعوا عن قياداتهم، فلم يعرفوا أن قراراً بالانسحاب الكيفي قد صدر إليهم، أو كانوا من المحاربين الذين لم يرتضوا لأنفسهم الفرار والهزيمة، بل صمموا على القتال إلى آخر رمق، فاستشهدوا بكرامة وبطولة. وحاربت الجيوش العربية مرة ثانية في تشرين من عام 1973، فقاتلت بدرجات متفاوتة الشدة، بينما قاتل الجنود الصهاينة بشراسة حقيقية من أجل الحفاظ على أرض ليست لهم، احتلوها في الجولان وسيناء. ثم أقلع العرب عن قتال عدوهم، وبدؤوا مرحلة التقاتل ضد بعضهم البعض، انتهت بهم إلى ما هم عليه من ضعف وهوان، مع أنهم - والأصح لأنهم - أبدوا خلالها من ضروب التصميم والشراسة ما يضعهم بجدارة في صفوف أعظم محاربي التاريخ العالمي الحديث !.
ما السر في أننا لا نحارب أعداءنا، رغم ما بيننا وبينهم من عداوة، ونمحق بعضنا بعضاً، ونخوض بلا تردد حروب «أخوة « لا تبقي ولا تذر، رغم انتمائنا النظري إلى أمة واحدة لها مصالح واحدة وأهداف واحدة ؟. ترى، لو أننا قاتلنا عدونا بالشراسة التي نتقاتل بها، هل كان نجح في انتزاع فلسطين منا، وتوطيد احتلاله لها طيلة نيف وقرن؟. وهل كانت أطراف العالم العربي مهددة بالضياع، وكان مركزه معرضاً للتمزق ؟.
ما خطبنا نحن العرب، ومتى نفيق من موتنا الشتوي ونضع حداً لخلافات نقول إنها جزئية وأخوية، لكنها تدفع بنا إلى مختلف أنواع الاقتتال الشامل، الذي ليس أخوياً بأي معيار ؟!.
دمشق